في عالم رقمي يتطور بسرعة، تركز معظم المؤسسات على مواجهة الهجمات السيبرانية الخارجية. لكن الاحتراق الوظيفي لدى فرق الأمن السيبراني يشكل تهديداً خطير وصامت يؤدي لتآكل قلعة الأمن المؤسساتي من الداخل. تعمل الفرق الأمنية كخط الدفاع الأول، لكن الضغط المتواصل والتطور السريع في التهديدات الرقمية يضعهم تحت ضغوط هائلة تؤثر على صحتهم النفسية والجسدية. وبالتالي، فالاحتراق الوظيفي كما يراه -Kunal Purohit- ليس مجرد مشكلة موارد بشرية – بل هو ثغرة أمنية خطيرة.
لغة الأرقام لا تخطئ – الاحتراق الوظيفي
تشير دراسة حديثة أجريت عام 2022 إلى أن أكثر من 80% من متخصصي الأمن السيبراني يعانون من مستويات مرتفعة من التوتر أو الاحتراق، كما فكر ما يزيد عن 60% منهم في ترك وظائفهم بسبب الضغط النفسي بينما استقال 50% فعلياً. فعندما يشعر موظفو الأمن بالإرهاق، تزيد الأخطاء، وتقل القدرة على الابتكار، ويزداد احتمال الاستقالة — مما يعرض موقف الأمن السيبراني للمؤسسة للخطر.
ويأتي نقص المواهب السيبرانية ليضخم تأثير الاحتراق الوظيفي. وفقاً للتقارير فإن هناك ما يقرب من 750,000 وظيفة شاغرة في الأمن السيبراني في الولايات المتحدة وحدها. يؤدي هذا النقص الحاد في المواهب إلى إرهاق الفرق الحالية، حيث يُطلب منهم تولي مهام متعددة خارج نطاق تخصصهم. وهو ما يدخلهم في دوامة مسؤوليات أكثر ، ضغط أعلى فاستقالات أكثرـ وهو ما يقلل عدد المدافعين السيبرانين فيؤدي ذلك مجدداً إلى ضغط مضاعف على المتبقين منهم. هذه الحلقة المفرغة تعيد إنتاج نفسها بصورة مستمرة مما ينذر بنتائج كارثية.
لا يتعلق الاحتراق الوظيفي فقط بساعات العمل الطويلة، بل أيضاً بنقص الأدوات والعمليات المناسبة، وتمتد جذوره لتتداخل مع حقيقة وجود أدوات أمنية كثيرة ولكن غير متكاملة، وكذلك غياب الأتمتة. كما تؤدي العزلة بين فرق تكنولوجيا المعلومات والأمن إلى أعباء إضافية. وبالتالي يعاني محترفو الأمن السيبراني من الافتقار إلى التوازن بين الحياة والعمل. وفي كثير من الأحيان، تغرق فرق الأمن في رمال رد الفعل، بدل العمل على التخطيط الاستباقي، مما ينتج عنه زيادة في الضغط وتراجع في الكفاءة.
كيف نتعامل مع الاحتراق الوظيفي؟
يمكن الوقاية من الاحتراق الوظيفي . ويشارك معكم روبودين أفضل الممارسات التي تحسن رفاهية الموظفين وتعزز الأمن في المؤسسة:
إعادة النظر في أساليب التوظيف
- ركز على المهارات الشخصية مثل التفكير النقدي والتواصل.
- لا تقيّم فقط بناءاً على السيرة الذاتية.
- وسّع نطاق البحث عن المواهب.
التعليم المستمر
حتى الخبراء بحاجة إلى التعلم المستمر لمواكبة التهديدات الجديدة.
- استخدم محاكاة الهجمات والتدريبات الواقعية على التصيد الاحتيالي مثلاً.
- شجع الحصول على الشهادات المهنية في الأمن السيبراني.
- قدم برامج تدريبية قصيرة ومتكررة.
بناء ثقافة عمل تركز على الموظف
- شجع الحوار المفتوح والتغذية الراجعة (Feedback).
- قدّم خيارات العمل المرن والدعم النفسي.
- أنشئ بيئة عمل تشجع على النمو والتجربة.
لنتذكر أن الموظفين السعداء أكثر إنتاجية وأفضل أداءً في مواجهة التهديدات.
تبني الأتمتة الذكية
- استخدم أدوات لأتمتة المهام المتكررة (أدوات الذكاء الاصطناعي للكشف عن التهديدات).
- ركّز جهود البشر على القرارات الاستراتيجية.
- قلّل من الأخطاء الناتجة عن التعب البشري.
الاستعانة بمصادر خارجية (Outsource)
تقلل الاستعانة بخبراء خارجيين الضغط وتحسن الكفاءة الأمنية، لذلك من المهم الشراكة مع مزودي خدمات الأمن السيبراني لتوفير:
- مراقبة على مدار الساعة
- تحليل فوري للتهديدات
- تخفيف الضغط عن الفرق الداخلية
وضع خطة شاملة للأمن السيبراني
لتقليل الفوضى والمساعدة في اتخاذ قرارات أسرع وأدق:
- حدد الأدوار بوضوح
- أنشئ بروتوكولات استجابة للحوادث
- وفر خارطة طريق للفريق الأمني
التحسن المستمر
يجب أن تدعم الإدارة العليا ثقافة “التحسن المستمر” وليس أن تدفع الفرق نحو “الكمال المستحيل”. في الواقع، لا يمكن لمتخصص الأمن التنبؤ بكل هجوم. فالتوقعات المبالغ فيها تؤدي إلى:
- قلق مزمن
- انخفاض الثقة
- شعور بعدم الكفاءة
التوعية بمخاطر الأمن السيبراني
كلما زادت المعرفة، قل العبء على فرق الأمن، لذلك:
- درّب جميع الموظفين على أساسيات الأمن السيبراني
- نظم حملات توعية دورية
- كافئ السلوكيات التي تتوافق مع رؤية أمن المعلومات في المؤسسة.
كلمة أخيرة
يشكّل محترفو الأمن السيبراني خط الدفاع الأول. ولكن، عندما ينهار هذا الخط بسبب الاحتراق الوظيفي، تصبح المؤسسة مكشوفة أمام التهديدات. وبالتالي، على القادة أن يتحملوا مسؤولياتهم عبر تحسين بيئة العمل، وتبني الأتمتة، ودعم الصحة النفسية لمساعدة المؤسسات على الاحتفاظ بموظفيها وحماية بياناتها في الوقت ذاته.