في عصر التكنولوجيا المتسارع، أصبحت الاستثمارات في الأمن السيبراني من الركائز الأساسية لبقاء الشركات واستمرارها. لم تعد هذه الاستثمارات مجرد خيارات تحسينية، بل تحولت إلى ضرورة حتمية لضمان القدرة التنافسية في السوق. فالفشل في تأمين الأصول الرقمية يمكن أن يؤدي إلى أضرار جسيمة، قد تصل إلى الإفلاس في بعض الحالات. في هذا المقال، سنستعرض التهديدات الحالية، التحديات التي تواجه الأمن السيبراني، وكيفية تعزيز موقف الأمن السيبراني للشركات.
التهديدات السيبرانية: مشهد متغير
مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا والأجهزة المتصلة بالانترنت، تطورت التهديدات السيبرانية بشكل كبير. أصبحت أي جهزة قابلة للاختراق، خاصة مع انتشار انترنت الأشياء (IoT). على سبيل المثال، في تشرين الأول-2016، تعرضت بعض الخوادم لهجمات حجب الخدمة الموزعة (DDoS)، مما أدى إلى تعطيل خدمات كبرى مثل GitHub وPayPal وSpotify.
وتشير الإحصائيات إلى تأثير هجمات انترنت الأشياء على موقف الأمن السيبراني. بقيت هذه الهجمات في تزايد مستمر. شهد أول شهرين من عام 2023 زيادة بنسبة 41% في متوسط عدد الهجمات الأسبوعية لكل مؤسسة التي تستهدف أجهزة انترنت الأشياء، مقارنة بعام 2022. ويعتبر فيروس VPNFilter أحد الأمثلة القاسية على التهديدات فهو استهدف أجهزة الراوتر وسرقة البيانات. هذه الهجمات أصبحت ممكنة بسبب انتشار الأجهزة غير المؤمنة بشكل كافٍ.
ثغرات في الأجهزة المنزلية
في عام 2014، أبلغت شركة ESET عن وجود 73,000 كاميرا مراقبة غير مؤمنة تستخدم كلمات مرور افتراضية. وفي نيسان-2017، اكتشفت شركة IOActive وجود 7,000 جهاز راوتر من نوع Linksys معرضة للاختراق. هذه الأجهزة، رغم كونها منزلية، يمكن أن تؤثر على أمن الشركات من خلال نقاط الدخول البعيدة (Remote Access) أو سياسة “أحضر جهازك الخاص” (BYOD).
موقف الأمن السيبراني – برامج الفدية
يظل المستخدمون الحلقة الأضعف في سلسلة الأمان. فالهجمات القديمة مثل التصيد الاحتيالي (Phishing) لا تزال فعالة لأنها تستهدف الجوانب النفسية للمستخدمين وتؤثر بالتالي على موقف الأمن السيبراني. على سبيل المثال، في نيسان- 2019، تعرضت شركة Wipro لهجوم تصيد احتيالي أدى إلى اختراق كبير وتسريب بيانات العملاء.
فيروس الفدية والبرمجيات الخبيثة
تستخدم هجمات الفدية (Ransomware) التصيد الاحتيالي كنقطة دخول. في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2016، أبلغت الـ FBI عن دفع 209 مليون دولار كفدية. لا توجد أخبار جيدة عندما يتعلق الأمر بإحصائيات برامج الفدية لعامي 2022/2023. تستمر الهجمات في الزيادة حيث يستخدم مجرمو الانترنت عمليات التسلل إلى البيانات وتهديد تسريب البيانات لزيادة الضغط على الشركات لدفع الفدية. حتى إذا تمكنت الشركة من استعادة البيانات من النسخ الاحتياطية، فقد تظهر البيانات المسربة من شركة ترفض دفع الفدية على مواقع قواعد البيانات التي يديرها الجهات الفاعلة المهددة.
يقول تقرير التحقيق في خرق البيانات (DBIR) من Verizon أن هناك زيادة بنسبة 13٪ في هجمات برامج الفدية على أساس سنوي من عام 2021. هذه الزيادة هي زيادة أكبر من السنوات الخمس السابقة مجتمعة. عانى حوالي 70٪ من الشركات ستعاني من هجوم واحد أو أكثر من هجمات برامج الفدية في عام 2022. زادت اتجاهات برامج الفدية هذه على مدار السنوات الخمس الماضية وهي أعلى معدل سنوي مسجل.
تعزيز الموقف الأمني: الحماية، الكشف، والاستجابة
لتعزيز الوضع الأمني، يجب على الشركات التركيز على ثلاث ركائز أساسية:
الحماية:
- تأمين الأجهزة والأنظمة ضد الهجمات.
- استخدام تقنيات مثل التشفير (Encryption) للبيانات في حالة السكون (At Rest) وفي حالة النقل (In Transit).
- تطبيق سياسات صارمة لإدارة الهويات والوصول (IAM).
الكشف:
- تحسين أنظمة الكشف عن الهجمات بشكل سريع.
- استخدام تقنيات مثل تحليل السلوك (Behavioral Analysis) والتعلم الآلي (Machine Learning) لاكتشاف الأنشطة المشبوهة.
الاستجابة:
- تقليل الوقت بين اكتشاف الهجوم واحتوائه.
- تطوير خطط استجابة للحوادث (Incident Response Plans) وتنفيذها بفعالية.
إدارة الموقف الأمني في السحابة
مع انتقال الشركات إلى السحابة، تزداد التحديات الأمنية. وفقاً لتقرير Ponemon Institute، فإن 49% من الشركات في الولايات المتحدة لا تشعر بالثقة في قدرتها على مراقبة استخدام تطبيقات السحابة. بالإضافة إلى ذلك، تشير التقارير إلى أن سوء التكوين (Misconfiguration) هو أكبر تهديد لأمن السحابة.
أدوات إدارة الوضع الأمني في السحابة (CSPM)
تساعد أدوات CSPM في تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة:
- الرؤية: اكتشاف الأعباء العملية (Workloads) الجديدة والحالية.
- المراقبة: تحديد سوء التكوين وتقديم توصيات لتعزيز الأمان.
- الامتثال: تقييم الأعباء العملية وفقاً للمعايير التنظيمية.
محاكاة الهجمات
يلعب الفريق الأحمر والأزرق دوراً جوهرياً في تعزيز الأمن السيبراني:
- الفريق الأحمر:
- مسؤول عن محاكاة الهجمات لاكتشاف الثغرات.
- يتبع أساليب مثل سلسلة القتل السيبراني (Kill Chain) لاختراق الأنظمة.
- يقيس مؤشرات مثل متوسط الوقت للاختراق (MTTC) ومتوسط الوقت لتصعيد الصلاحيات (MTTP).
- الفريق الأزرق:
- مسؤول عن تأمين الأنظمة والاستجابة للهجمات.
- يحفظ الأدلة، لتحليلها، وتطوير خطط الاستجابة.
- يقيس مؤشرات مثل الوقت المقدر للكشف (ETTD) والوقت المقدر للاسترداد (ETTR).
افتراض الاختراق
في ظل التهديدات المتطورة، أصبح من الضروري تبني منهجية “افتراض الاختراق-Assumed Breach”. هذا النهج يعتمد على فكرة أن الاختراقات ستحدث، وبالتالي يجب أن تكون الشركات مستعدة للكشف السريع والاستجابة الفعالة.
أسس افتراض الاختراق
- محاكاة الهجمات: استخدام الفريق الأحمر لمحاكاة هجمات حقيقية.
- تحسين الحماية: تعزيز أنظمة الحماية بناءً على نتائج المحاكاة.
- التدريب المستمر: تدريب الفرق على التعامل مع الهجمات بشكل فعال.
كلمة أخيرة
في عالم يتسم بتزايد التهديدات السيبرانية ، يجب على الشركات تعزيز موقف الأمن السيبراني الخاص بها، من خلال التركيز على الحماية والكشف والاستجابة. استخدام الفريق الأحمر والأزرق وتبني منهجية “افتراض الاختراق” والتي تمثل استراتيجيات أساسية لضمان الأمان في العصر الرقمي.