مخاطر المطلعين – دليل لأصحاب القرار

في عالم الأمن السيبراني، تبقى إحدى التهديدات الأكثر تعقيداً وانتشاراً هي مخاطر المطلعين (Insider risk). على عكس التهديدات الخارجية التي غالباً ما يتم التصدي لها بأدوات تقنية واستجابات فورية، تنشأ مخاطر المطلعين من داخل المؤسسة من خلال تصرفات وقرارات، وأحياناً أخطاء الموظفين.

69 مشاهدة
7 دقائق
مخاطر المطلعين

في عالم الأمن السيبراني، تبقى إحدى التهديدات الأكثر تعقيداً وانتشاراً هي مخاطر المطلعين (Insider risk). على عكس التهديدات الخارجية التي غالباً ما يتم التصدي لها بأدوات تقنية واستجابات فورية، تنشأ هذه المخاطر من داخل المؤسسة نتيجة تصرفات وقرارات، وأحياناً أخطاء الموظفين. وللتعامل معها بفعالية، نحتاج إلى ما هو أكثر من الجدران النارية والتنبيهات الآلية، نحتاج إلى استراتيجية لها جانب إنساني.

مخاطر المطلعين – النوايا السيئة مقابل الإهمال

هناك تصور شائع بأن التهديدات الداخلية تأتي في الغالب من أشخاص خبيثين – موظفين ساخطين، جواسيس، أو أفراد يسعون عمداً إلى الإضرار بمؤسساتهم. ومع أن هذه الحالات قد تكون مدمرة، إلا أنها ليست الأكثر شيوعاً. فمعظم الحوادث الداخلية تنشأ نتيجة للإهمال أو عدم الإدراك، وليس بسبب نية سيئة. لنأخذ مثال الموظف الذي يرسل ملفاً حساساً إلى عنوان بريد إلكتروني خاطئ، أو يحمّل مستنداً على حساب السحابة الشخصي للعمل عليه من المنزل. نادراً ما تكون هذه الأفعال مقصودة بهدف الضرر، لكنها قد تعرّض المؤسسة لمخاطر كبيرة. فالإهمال – وليس النية الخبيثة – هو السبب الرئيسي في معظم الحوادث الداخلية.

ومع ذلك، لا يمكن تجاهل مخاطر المطلعين الخبيثين. هؤلاء قد يسرقون الملكية الفكرية، أو يسربون معلومات سرية، أو يتعاونون مع جهات خارجية لزرع برامج خبيثة أو تعطيل العمليات. لا تقتصر العواقب على الجانب التقني، بل تمتد لتؤثر على ثقافة الشركة وسمعتها وثقة موظفيها.

الضوابط الوقائية

لقد تطورت قدرات الأدوات التكنولوجية على اكتشاف السلوكيات غير المعتادة، وتتبع حركة البيانات، وتنبيه فرق الأمن. ولكن الاعتماد على الاكتشاف فقط لا يكفي. فالأدوات قد تكشف “ماذا” حدث، لكنها لا تستطيع دائماً شرح “لماذا”. ومن دون فهم دوافع الإنسان وسياق السلوك، قد تُسيء المؤسسات تفسير التصرفات أو تبالغ في رد الفعل، مما يؤدي إلى تآكل الثقة. وبالتالي يمكن اعتبار الوقاية أهم من الاكتشاف. فالشركات التي تطبق مبدأ “الامتياز الأقل” – أي منح الموظفين صلاحيات الوصول فقط للبيانات التي يحتاجونها – تكون أكثر قدرة على تفادي الهجمات الداخلية بمعدل الضعف. ويجب أيضاً تقليص الصلاحيات الإدارية إلى الحد الأدنى ومراقبتها بدقة.

مخاطر المطلعين – البساطة و الشفافية

عند تطبيق أي استراتيجية تتضمن مراقبة الموظفين، تبرز الشفافية كأمر ضروري. فالمراقبة المفرطة قد تأتي بنتائج عكسية، حيث يشعر الموظفون بعدم الثقة مما قد يدفعهم للتصرف بطرق غير آمنة. بينما يساعد النهج الشفاف عبر التواصل بوضوح وتعاطف، في بناء التعاون. من المهم يجب أن يعرف الموظفون ليس فقط أن هناك مراقبة، بل أيضاً ما الذي تتم مراقبته، ولماذا، وكيف يخدم ذلك مصلحتهم ومصلحة الشركة. ويضيف: “المراقبة تهدف إلى تأمين البيانات – وليس التجسس على الأفراد”. كما يجب شرح أنواع السلوكيات التي يتم تتبعها، وآلية إطلاق التنبيهات، وأسبابها. وينبغي أن يوضح ذلك كجزء من عملية التوظيف ويُعاد التذكير به خلال الدورات التدريبية.

قد تؤدي بروتوكولات الأمن المعقدة جداً إلى إحباط الموظفين، وإبطاء سير العمل، ودفعهم للبحث عن حلول بديلة وغير آمنة. فالأنظمة الصارمة تدفع المستخدمين للبحث عن حلول مريحة لهم ولو على حساب الالتزام. لذلك، يكمن الحل في البساطة وسهولة الاستخدام. ولتجاوز هذه المشكلة المطلوب تصميم السياسات بناءاً على طرق العمل الحقيقية وليس من خلال قواعد جامدة. وبدلاً من التوجيهات العامة – مثل “تعامل مع البيانات بأمان” – يجب إعطاء إرشادات دقيقة: ما الذي لا يمكن مشاركته مع الذكاء الاصطناعي، ومتى يجب الإبلاغ عن سلوك مريب. ويتطلب الأمر تطوير السياسات بمرور الوقت لتتماشى مع المخاطر والتكنولوجيا المتغيرة، وضرورة إشراك الموظفين في تصميمها ليصبحوا أكثر التزاماً بتطبيقها.

مراقبة سلوك المستخدمين

تسجيل كل نقرة في النظام قد يبدو دقيقاً، لكنه نادراً ما يعطي رؤى مفيدة. ما هو أكثر فاعلية هو مراقبة السلوك – التغيرات في الروتين التي قد تشير إلى خطر. هل بدأ موظف ما بتسجيل الدخول في ساعات غريبة؟ هل حمّل كميات كبيرة من البيانات قبل الاستقالة؟ هذه المؤشرات، عند ربطها بإشارات أخرى، قد تشير إلى تهديد. ويمكن لأدوات تحليل السلوكيات اكتشاف هذه الأنماط، لكن القرار النهائي يجب أن يبقى بيد الإنسان.

الأدوات تكتشف ما حدث، لكن البشر هم من يقيّمون المخاطر. وبالتوازي مع ذلك، يشدد الخبراء على أهمية الوعي على مستوى المؤسسة بأكملها، وليس فقط الإدارة العليا، فالحصول على دعم الإدارة وفهمهم للمخاطر هو أول خطوة ويتبعه التدريب التدريجي للمسؤولين والمديرين لمساعدتهم في التعرف على السلوكيات المشبوهة. ومن أجل تطبيق هذا النهج، يجب قياس مؤشرات مثل نتائج اختبارات التصيد، نشاط الأجهزة، ونقاط المخاطر الخاصة بالبرمجيات الخبيثة. تمنح هذه البطاقات المؤسسات قدرة أفضل في التحقيقات الخاصة بالحوادث وتتبع التهديدات.

التعاون والإبلاغ – تقليل مخاطر المطلعين

تعتمد الحماية الحقيقية على ثقافة المؤسسة كأن يشعر الموظفون بالأمان عند التبليغ عن الأخطاء أو السلوكيات المريبة. إذا كانوا يخشون العقاب، فسوف يصمتون – مما يزيد من حجم المخاطر. وبالتالي، فالاعتراف بالسلوكيات الآمنة وتقديرها يعزز من التزام الآخرين. ويشمل ذلك الإشادة بمن يلتزمون بالممارسات المثلى أو يكتشفون تهديدات محتملة. كما توفر أدوات الإبلاغ المجهولة، وسياسات الأبواب المفتوحة، ودعم قسم الموارد البشرية بيئة أكثر أماناً. ومن المهم التذكير دائماً أن الهدف هو الحماية، وليس العقاب. ويساعد التدريب والتواصل على بناء ثقافة أمنية مستدامة داخل المؤسسة كما يضمن أن إدارة المخاطر تتطور مع التهديدات الجديدة، وتدعم الابتكار والامتثال في آنٍ معاً.

لا يمكن لقسم أمن المعلومات وحده إدارة مخاطر المطلعين. يجب التعاون مع الموارد البشرية لاكتشاف علامات الحنق و الاحتراق الوظيفي، ومع الإدارات المعنية لضمان الامتثال والالتزام. إن تشكيل فريق صغير متعدد التخصصات لإدارة المخاطر الداخلية يساعد على ضمان اتخاذ قرارات متوازنة وأخلاقية، على أن يكون اللوم أو العقوبة هو آخر خطوة في تحقيق موضوعي وعادل، وليس رد الفعل التلقائي على أي حدث.

كلمة أخيرة

لم تعد إدارة مخاطر المطلعين مجرد تحدٍ تقني. بل أصبحت قضية إنسانية في جوهرها. فالأدوات والسياسات ضرورية، لكنها ليست كافية. فالأمن الحقيقي ينبع من مزيج مدروس من التكنولوجيا، والشفافية، والتعاطف، والتعاون. وعندما تُبنى الأنظمة بما يتماشى مع طريقة عمل الناس، ويُمنح الموظفون دوراً في حماية البيانات، يمكن للمؤسسات بناء بيئة أكثر أماناً وموثوقية حيث تتم حماية كل من البيانات والثقة.

شارك المقال
اضف تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *