أصبحت الانترنت جزءاً من حياتنا الشخصية والمهنية. زاد ذلك من احتمال التعرض للسلوكيات الخطرة مثل التنمر الإلكتروني. يمثل هذا السلوك أحد أكثر المشكلات انتشاراً في عالمنا الرقمي اليوم. ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والرسائل الفورية وغيرها من المنصات عبر الانترنت، يمكن أن يكون أي منا عرضة للتنمر في أي وقت وفي أي مكان. وعلى عكس التنمر التقليدي، لا يتطلب التنمر السيبراني تواجداً مكانياً بين المتنمر و الضحية وهو ما يجعله نوعاً خطيراً من أنواع التحرش التي لا يمكن الحماية منها بالرقابة المعتادة. يرافقنا روبودين في هذه المقالة لنتعرف أكثر على التنمر الإلكتروني. كما نتابع بعضاً من طرق مواجهته و الحد من تأثيره على الفئات الأكثر ضعفاً خاصة وعلينا جميعاً بشكل عام.
ما هو التنمر الإلكتروني؟
أحد تعريفات التنمر الإلكتروني هو إرسال أو نشر مواد ضارة أو الانخراط في أشكال أخرى من العدوان الاجتماعي باستخدام الانترنت أو غيره من التقنيات الرقمية. غالباً ما يشغل هذا التنمر منطقة رمادية بين ما يُعتبر فعلًا ضاراً وجريمة جنائية. أصبحت هذه الممارسة مشكلة خطيرة للشباب، الذين غالباً ما يستهدفهم أقرانهم ليس فقط في الحياة الواقعية، بل وأيضاً على المنصات عبر الانترنت. وفي حين أن ممارسة التنمر ليست جديدة، فقد غيرت الانترنت ديناميكيات ممارسات التنمر هذه بشكل كبير. فما كان في السابق ممارسة ضارة محصورة في ساعات الدراسة يمكن ارتكابها الأن في أي وقت، مما يعرض الضحايا فعلياً
لمضايقات مستمرة. أحد الجوانب التي تجعل التنمر الإلكتروني مختلفاً عن التحرش الجسدي التقليدي هو أن الأشخاص على الانترنت يمكن أن يكونوا مجهولين، ولا يرتبط اسمهم أو وجوههم بالنشاط المسيء الذي يقومون به.
العواقب السلبية و الأذى النفسي
تشير العديد من الدراسات إلى أنه على الرغم من أن التنمر الإلكتروني يتخذ في المقام الأول شكلاً غير مباشر من التنمر، على سبيل المثال، التنمراللفظي، إلا أن آثاره السلبية على الضحايا، مثل الانحراف والاكتئاب والأفكار الانتحارية وغيرها من المشاكل السلوكية و العقلية، لا تقل أهمية عن التنمر التقليدي، والذي يمكن أن يضر بأجساد الضحايا ويسبب لهم أذى جسدي. وإضافة لذلك، يمكن أن تكون هذه العواقب السلبية أكثر ضرراً من تلك التي تترتب على التنمر التقليدي نظراً لأن التنمر الإلكتروني عبر خدمات الرسائل الفورية عبر الهاتف المحمول أصبح أكثر انتشاراً مؤخراً بسبب الاستخدام المتزايد لأجهزة الهواتف الذكية. بعبارة أخرى، نظراً لأن الجناة والضحايا متصلون على مدار الساعة، فإن ذلك يمكن الجناة من التنمر الإلكتروني على الضحايا بشكل أكثر تكراراً، مما يؤدي بدوره إلى المزيد من الآثار السلبية على الضحايا.
يتضمن التنمر الإلكتروني على استخدام الأجهزة الرقمية، مثل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية، لإرسال أو نشر رسائل أو صور مؤذية أو مخيفة أو مضايقة. يمكن أن يحدث ذلك من خلال منصات التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني أو تطبيقات المراسلة أو مجتمعات الألعاب أو غيرها من البيئات عبر الانترنت. ومن الأمثلة على هذا التنمر ما يلي:
- إرسال رسائل تهديد أو مهينة
- مشاركة صور أو مقاطع فيديو محرجة دون موافقة الضحية
- نشر معلومات أو شائعات كاذبة
- انتحال شخصية شخص ما لإرسال رسائل مؤذية
- استبعاد شخص ما عمداً من المجموعات أو الأنشطة عبر الانترنت
مخاطر التنمر الإلكتروني
عندما يتعرض الأشخاص لأحداث سلبية في الحياة، يكونون أكثر عرضة للتصرف بعدوانية وإلحاق الأذى بالآخرين أيضاً. ويمثل ذلك أحد استراتيجيات التأقلم التي يتبعها عادة صحايا التحرش للتخفيف من ضعوطهم ومشاعرهم السلبية. كما يمكن أن يظهر أثر هذا السلوك في حدة العلاقة مع الوالدين أو الأقران والأداء الدراسي الضعيف وسيطرة مشاعر الغضب والاكتئاب والإحباط والخوف. يمكن أن تكون آثار التنمر الإلكتروني شديدة ودائمة، وغالباً ما تكون أعمق من التنمر وجهاً لوجه بسبب طبيعته المستمرة وإمكانية التعرض على نطاق واسع. تشمل التأثيرات:
- يعاني الضحايا من القلق والاكتئاب والإجهاد المزمن.
- ينسحب الضحايا من الأنشطة الاجتماعية أو المنصات الإلكترونية لتجنب المتنمرين، مما قد يؤدي إلى العزلة والشعور بالوحدة.
- يتعرض المتأثرون بالتنمر الإلكتروني لصعوبة في التركيز ينتج عنه ضعف الأداءالتعلمي أو المهني.
- يمكن أن يسبب التنمر أعراض جسدية، بما في ذلك الصداع والتعب واضطرابات النوم.
صعوبة ضبط التنمر الإلكتروني
تساهم مجموعة من العوامل في جعل عملية ضبط التنمر السيبراني، ومنها:
- سهولة ممارسة التنمر مع القدرة على التهرب من العواقب و ذلك بالاستفادة من حماية الخصوصية و عدم الكشف عن الهوية الذي توفره الانترنت.
- تسمح الرسائل الفورية ووسائل التواصل الاجتماعي ومنصات النشر مجهولة الهوية للمتنمرين الوصول إلى الضحايا بشكل دائم.
- ضعف آليات تتبع المتنمرين في المنصات الإلكترونية، مما يشجعهم على التصرف دون خوف من العواقب.
- يساهم الضغط من الأقران إلى دفع الأفراد للمشاركة في التنمر لمجاراة المجموعة.
معالجة التنمر السيبراني
تتطلب المعالجة جهداً على مستويات متعددة تشمل العائلة، المؤسسات و صناع القرار، ومنها:
- التوعية بظاهرة التنمر الإلكتروني وتأثيره على الأفراد ومساعدتهم على اتخاذ خطوات ضده.
- محو الأمية الرقمية، والتدريب على إدارة النزاعات عبر الانترنت بشكل آمن. للحفاظ على الاحترام ومنع التعدي على حقوق الآخرين.
- يشعر ضحايا التنمر الإلكتروني بالعزلة أو الخجل من طلب المساعدة لذلك يجب تشجيع التواصل بين الضحايا و البيئة الداعمة. تساعد أدوات الإبلاغ على منصات وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي في تحقيق ذلك.
- تحسين سياسات المنصات المتعلقة بالتنمر وذلك عبر وضع إرشادات واضحة و تستثمر في أدوات الكشف الآلي ومعالجة شكاوى التنمر الإلكتروني فور تلقيها.
- يقع على الوالدين مسؤولية مراقبة أنشطة أطفالهم في العالم السيبراني وتعليمهم احترام الخصوصية ومعايير السلوك الذي يمكن أن يساعد في حل هذه المشكلة.
- توفير لاستشارة والعلاج للضحايا الذين يعانون من تأثيرات التنمر الإلكتروني وتشجيع المتضررين على طلب الدعم.
- تعزيز التدابير القانونية لمعالجة التنمر السيبراني وفرض الامتثال وتوفير الشفافية والدعم للمتضررين.
الخاتمة
تتطلب معالجة التنمر جهوداً وتعاوناً من المجتمعات والمؤسسات والمنصات الرقمية. يمكن جعل المنصات الرقمية أكثر أماناً عبر فهم طبيعة وتأثير التنمر الإلكتروني وتعزيز التعاطف، وتشجيع الحوار وتطبيق السياسات مما يساعد الجميع على الشعور بالأمان والاحترام في عالمنا الرقمي.