الأخبار الزائفة في عصر التواصل الاجتماعي – لمحة موجزة

125 مشاهدة
5 دقائق
الأخبار الزائفة

في عصرنا الحالي، أصبحت الأخبار تنتشر بسرعة غير مسبوقة بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن هذه السهولة في النشر أدت إلى ظاهرة خطيرة تهدد المجتمعات وهي ظاهرة الأخبار الزائفة. فقد أدت هذه الظاهرة إلى تقويض ثقة الجمهور بالمؤسسات الإعلامية، والإضرار بالمجتمع، بل وأثرت سلباً على الأسواق الاقتصادية العالمية.

وفقاً لكتاب “Cybercrime in Social Media: Theory and Solutions” ، الذي يستند إليه هذا المقال، فقد برزت أهمية تطوير تقنيات وأساليب فعالة لرصد واكتشاف هذه الأخبار المضللة، وهو تحدٍّ يتطلب تعاون خبراء من مجالات متعددة مثل علوم الحاسوب، الإعلام، السياسة، وعلم الاجتماع.

لماذا نصدق الأخبار الزائفة؟

تلعب العوامل الاجتماعية والنفسية دوراً رئيساً في تفسير سبب تصديق الناس للأخبار الكاذبة. الإنسان بطبيعته يملك قدرة محدودة على التمييز بين الحقيقة والكذب، حيث تشير الدراسات إلى أن دقة الإنسان العادي في كشف الأكاذيب لا تتجاوز 58%. إضافة إلى ذلك، هناك عوامل نفسية أخرى تزيد من احتمالية تصديق الأخبار الزائفة، منها:

  • تأثير التكرار: عندما تتكرر معلومة معينة، يميل الناس إلى تصديقها أكثر بغض النظر عن دقتها.
  • التحيز التأكيدي: الأفراد يفضلون المعلومات التي تتماشى مع معتقداتهم السابقة ويتجاهلون المعلومات التي تتعارض معها.
  • تأثير الجماعة: يميل الناس إلى تصديق أو دعم المعلومة إذا كانت تحظى بدعم الأغلبية.

كل هذه العوامل تساهم في سهولة انتشار الأخبار الكاذبة على نطاق واسع.

ما هي الأخبار الزائفة؟

يمكن تعريف الأخبار الزائفة بطريقتين رئيسيتين:

  • التعريف العام: كل خبر غير دقيق أو مضلل يعتبر خبراً زائفاً.
  • التعريف الأكثر دقة: الأخبار التي يتم نشرها عمداً بغرض التضليل وخداع الجمهور.

كما توجد مصطلحات قريبة ترتبط بظاهرة الأخبار الكاذبة، منها:

  • المعلومات المضللة: معلومات خاطئة تنتشر نتيجة أخطاء غير مقصودة.
  • الدعاية: نشر معلومات منحازة أو مغلوطة لدعم أهداف سياسية أو أيديولوجية.
  • السخرية أو الهزل: أخبار ساخرة قد يساء فهمها وتُؤخذ على محمل الجد.
  • الإشاعة: معلومة غير مؤكدة تنتشر قبل التأكد من صحتها.
  • السبام (SPAM): محتوى يهدف لجذب الانتباه لأغراض تجارية أو ربحية.

البحث عن الحقيقة

توضح النظريات المتعلقة بالأخبار السمات التي تميز المواد الإخبارية الكاذبة مقارنة بالمحتوى الإخباري الحقيقي. وتختلف الأخبار الكاذبة في الغالب عن الأخبار الحقيقية في أسلوب الكتابة، والنوعية، والكمية مثل عدد الكلمات، والمشاعر التي يتم إيصالها.
تساعد هذه السمات في تطوير نظريات ونماذج للكشف التلقائي عن الأخبار الزائفة/الكاذبة بناءً على أسلوب كتابتها، وتقسم النظريات إلى قسمين:

  1. نظريات متعلقة بالأخبار: مثل “فرضية أوندويتش Undeutsch hypothesis” التي تفترض أن الروايات الصادقة تختلف في مضمونها وطبيعتها عن الروايات الكاذبة. ونظرية “العوامل الأربعة للخداع” التي تحدد المؤشرات السلوكية والكلامية المرتبطة بالكذب.
  2. نظريات متعلقة بالمستخدمين: مثل “تأثير غرف الصدى” الذي يشير إلى أن تكرار المعلومات ضمن مجموعة مغلقة يعزز الإيمان بها، و”تحيز الرغبة” حيث يفضل الأفراد تصديق الأخبار التي تتماشى مع رغباتهم.

استراتيجيات كشف الأخبار الكاذبة

تم تطوير عدة أساليب لرصد واكتشاف الأخبار الزائفة، منها:

  1. الكشف القائم على المعرفة: يعتمد على التحقق من صحة المعلومات عبر مقارنتها مع قواعد بيانات موثوقة أو عبر خبراء في مجال التحقق من الحقائق.
  2. الكشف القائم على أسلوب النص: دراسة أسلوب كتابة الخبر نفسه من حيث اللغة والأسلوب، عبر استخدام تقنيات تعلم الآلة لاكتشاف أنماط الكتابة التي تميز الأخبار الكاذبة عن الحقيقية.
  3. الكشف القائم على نمط الانتشار: تحليل كيفية انتشار الخبر عبر الشبكات الاجتماعية، حيث وجد أن الأخبار الزائفة تنتشر بشكل أسرع وأوسع من الأخبار الحقيقية.
  4. الكشف القائم على المصدر: تقييم موثوقية مؤلف الخبر أو ناشره أو مروجيه عبر الشبكات الاجتماعية، وكشف الحسابات الوهمية أو الروبوتات (Bots) التي تنشر معلومات مضللة.

اعتمد الباحثون على مجموعة من قواعد البيانات التي تم تطويرها بالاستعانة بمواقع التحقق من الحقائق مثل FactCheck.org. كما تم إنشاء قواعد بيانات متخصصة لمنشورات وسائل التواصل الاجتماعي مثل مجموعة MediaEval و PHEME، مما ساعد في تدريب أنظمة الكشف التلقائي للأخبار الزائفة.

التحديات والآفاق المستقبلية

رغم التقدم الكبير في تطوير أدوات كشف الأخبار الكاذبة، تظل هناك تحديات قائمة، أبرزها:

  • صعوبة الكشف المبكر قبل أن تنتشر الأخبار الكاذبة على نطاق واسع.
  • التعامل مع الأخبار التي تتضمن مزجًاً بين الحقيقة والكذب.
  • الحاجة المستمرة لتحديث قواعد البيانات وتقنيات الكشف لتواكب تطور أساليب التضليل.

خاتمة

يمثل انتشار الأخبار الكاذبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أحد أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات الحديثة. وقد بات من الضروري تطوير تقنيات متقدمة للكشف السريع والفعال عن الأخبار الزائفة، وتعزيز وعي الجمهور لمواجهة هذه الظاهرة. كما أن التعاون بين الباحثين في مجالات الإعلام، والسياسة، وعلم البيانات يعتبر ضرورياً لتحقيق حلول فعالة ومستدامة تحمي المجتمعات من مخاطر المعلومات المضللة.

شارك المقال
اضف تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *