في المشهد الرقمي المتطور باستمرار، تمنح حوكمة تكنولوجيا المعلومات (IT) المؤسسات قدرات تنظيمية و رشاقة وميزات تنافسية مستدامة. لقد ولت الأيام التي كانت تكنولوجيا المعلومات فيها تعتبر مجرد وظيفة دعم. اليوم هي بمثابة عامل تمكين أساسي للأعمال والكفاءة التشغيلية واتخاذ القرارات الاستراتيجية. مع التحول الرقمي، زادت حاجة المؤسسات إلى إيجاد أطر لإدارة العلاقات المعقدة بين التكنولوجيا والأعمال. هنا تكمن أهمية إطار COBIT. إنه إطار عمل مصمم لتمكين المنظمات من تحقيق أهدافها من خلال الحوكمة والإدارة الفعالة لتكنولوجيا المعلومات في المؤسسة.
إطار COBIT – لمحة تاريخية
أتت كلمة COBIT من الأحرف الأولى من Control Objectives for Information and Related Technologies. و ظهرت COBIT لأول مرة في عام 1996. أطلقتها ISACA ، وهي جمعية مهنية غير ربحية لحوكمة تكنولوجيا المعلومات. في البداية، كان التركيز الأساسي للإطار هو تقديم مرجع لتدقيق عمليات تكنولوجيا المعلومات. تضمن COBIT 1.0 كما سمي حينها 34 هدفاً عالي المستوى للرقابة. وكانت مصنفة تحت أربعة مجالات وهي: التخطيط والتنظيم، الاقتناء والتنفيذ، التسليم والدعم والمراقبة. ثم تتالت الإصدارات حتى وصلنا للإصدار COBIT 5 الذي تم تقديمه في عام 2012. وبذلك أصبح النسخة الأكثر تأثيراً حتى الأن من إطار COBIT. تتضمن هذه النسخة الجديدة رؤى للحوكمة والإدارة كما تمزج عناصر مختلفة مثل العمليات، والسلوكيات. كان COBIT 5 حلاً للكثير من التعقيدات الناشئة في بيئة الأعمال الحديثة وأخذ بعين الاعتبار أشكال مختلفة من تكنولوجيا المؤسسات تتجاوز تكنولوجيا المعلومات التقليدية.
وبعدها أصدر ISACA النسخة الأحدث من الإطار و هي COBIT 2019 الذي يتوافق مع عالم اليوم الذي باتت فيه التكنولوجيا منتشرة في جميع جوانب الأعمال والحكم. بني الإصدار الجديد على مبادئ وأدوات تمكين COBIT 5 ولكنه يوفر المزيد من المرونة مقارنة بما سبقه. إن COBIT 2019 ليس نموذجاً ثابتاً ولكنه إطار متطور يستوعب الوتيرة السريعة للابتكار التكنولوجي من خلال تقديم تحديثات منتظمة تعالج المستجدات ومتطلبات الحوكمة مثل الأمن السيبراني، وخصوصية البيانات، والحوسبة السحابية.
التكيف أساس النجاح
تمتد أهمية COBIT إلى ما هو أبعد من تشكيل مشهد حوكمة تكنولوجيا المعلومات لتصل إلى التأثير على إدارة المؤسسة على نطاق أوسع. كما تعتبر أداة استراتيجية لسد الفجوة بين التعقيدات التكنولوجية، ومخاطر الأعمال، والسيطرة عليها وكذلك لتحسين عائد الاستثمار ROI في التكنولوجيا و في ضمان خصوصية البيانات وأمنها. وأيضاً يوفر COBIT نهجًا منظماً ومرناً لمواءمة تكنولوجيا المعلومات مع العمليات ذات الأهداف الاستراتيجية. يتجاوز هذا الإطار متطلبات الامتثال ليكون بمثابة مسار لتميز المؤسسة يمنحها رؤية شاملة على كل الأصعدة.
نضج COBIT على مر السنين بل لنقل تكيف COBIT مع المشهد التكنولوجي المتغير،مما جعله إطاراً مرناً ومستداماً لحوكمة تقنية المعلومات. لقد رسخت COBIT مكانة فريدة لنفسها من خلال تقديم تركيز لا مثيل له على الحوكمة والرقابة، وإدارة المخاطر و توحيد عمليات الحوكمة، وجعلها أكثر شفافية وقابلية للقياس ومواءمة مع أهداف العمل الديناميكية و كذلك التعقيد الذي يميز العالم الرقمي.
إن واحدة من أقوى ميزات COBIT هي قدرتها على التصرف كجسر بين استراتيجية الأعمال وتنفيذ تكنولوجيا المعلومات. عادة ما يكون هناك فصل أو خلاف -أحياناً- بين ما تهدف الشركة إلى تحقيقه وبين الطريقة التي يمكن لتكنولوجيا المعلومات فيها دعم تلك الأهداف. على سبيل المثال، إذا كانت الشركة تهدف إلى تحسين معدلات رضا العملاء، يمكن لـ COBIT توجيه الطريقة التي ينبغي بها ذلك عبر التركيز على تعزيز تجربة المستخدم، وتنفيذ فعال لأنظمة إدارة علاقات العملاء (CRM) )، وضمان خصوصية البيانات وأمنها بما يحقق هذا الهدف.
الحوكمة – أساس إطار COBIT
يرتكز COBIT على خمسة مبادئ أساسية وسبعة عوامل تمكينية. إنه ليس نموذجاً صارماً بمقاس واحد يناسب الجميع. لكم يمكن تصميمه ليناسب الاحتياجات الفريدة للمؤسسات ذات قطاعات العمل المختلفة. هذه القدرة على التكيف تجعل COBIT مفيداً لمجموعة متنوعة من منظمات الأعمال الكبيرة و المتوسطة و حتى الصغيرة التي تهدف إلى تبسيط الإدارة باستخدام الحد الأدنى من الموارد.
تشير الحوكمة في سياق COBIT إلى تقييم احتياجات أصحاب المصلحة، الشروط والخيارات؛ تحديد الاتجاه من خلال تحديد الأولويات واتخاذ القرار. و كذلك مراقبة الأداء والامتثال. كذلك فإن مفهوم الإدارة في إطار COBIT يتمحور حول الأنشطة التكتيكية التي تحدث تحت طبقة الحوكمة للتأكد من تحقيق أهداف الحوكمة. بواسطة تقديم نهج الإدارة المتكاملة، يضمن COBIT أن الحوكمة ليست طبقة عليا معزولة ولكنها تتخلل جميع طبقات أنشطة تكنولوجيا المعلومات.
إدارة المخاطر والامتثال
في عالم اليوم الرقمي فإن إدارة المخاطر والامتثال ليست مجرد التزامات قانونية ولكنها ضرورات استراتيجية. ولذلك يوفر هذا الإطار منهجاً منظماً لتحديد وتقييم وإدارة مخاطر تكنولوجيا المعلومات بالتوازي مع مواءمة عمليات تكنولوجيا المعلومات مع مختلف متطلبات الامتثال سواءاً كنت GDPR أو HIPAA أو أي لوائح مشابهة أو قواعد تنظيمية خاصة بصناعة محددة. يوفر COBIT إطارًا لـغرس الضوابط وآليات المراقبة اللازمة لذلك وضمان الامتثال.
ضمان العائد على الاستثمار (ROI)
ساهم COBIT في تعزيز القيمة المستمدة من تكنولوجيا المعلومات من خلال ضمان توافق الاستثمارات مع الأعمال الاستراتيجيات وتقدم الفوائد المتوقعة. يوفر الإطار مقاييس ونماذج نضج مختلفة لتقييم أداء استثمارات تكنولوجيا المعلومات في تحقيق أهداف العمل. من خلال التركيز على خلق القيمة باعتبارها واحدة من أهداف الحوكمة الأساسية الخاصة بـ COBIT مما يساعد المؤسسات في تبرير نفقات تكنولوجيا المعلومات الخاصة بهم وتحقيق عائد استثمار أفضل.
إدارة البيانات وحوكمة المعلومات
الأهمية المتزايدة للبيانات في الاستراتيجية التنظيمية نجعل الإدارة الفعالة للبيانات أمراً بالغ الأهمية. يساعد إطار COBIT في خلق بيئة حوكمة تضمن جودة البيانات والوثوقية والأمن. إنه يرشد المنظمات إلى صياغة السياسات التي تحدد البيانات التي يجب تخزينها، ومن يجب أن يكون لديه حق الوصول، وكيف ينبغي أن تكون البيانات. هذه ليست مجرد أهداف تكنولوجيا المعلومات ولكنها هم أهداف العمل التي يساعد COBIT على تحقيقها بفعالية.
تسهيل التواصل وأصحاب المصلحة
من المستحيل تطبيق الحوكمة دون تحديد قنوات الاتصال وإشراك أصحاب المصلحة. يساعد COBIT في إنشاء نظام متكامل يتم فيه تحديد المسؤوليات والعمليات بوضوح و بطريقة مفهومة. وهذا الوضوح يعزز التواصل بشكل أفضل بين مختلف الإدارات، والأهم من ذلك،بين رجال الأعمال وقادة تكنولوجيا المعلومات. عندما تكون الأدوار والأهداف واضحة المعالم، فإن مشاركة أصحاب المصلحةتتحسن بشكل تلقائي، مما يؤدي إلى نتائج أفضل للحوكمة.
قيادة التحسين المستمر
تتسم بيئة الأعمال الحديثة بالتغيير – سواء كان مدفوعاً بالابتكارات التكنولوجية أو متطلبات السوق أو القرارات التنظيمية. تم تصميم COBIT بطريقة تركز على التحسين المستمر، وتقييم الأداء و الاستفادة من التجارب. يضمن ذلك أن حوكمة تكنولوجيا المعلومات و ممارسات الإدارة تتطور وتتكيف، وبالتالي تتماشى مع احتياجات وأهداف العمل المتغيرة.
إطار COBIT – كلمة أخيرة
يعد COBIT إطار عمل شامل يتناول جوانب متعددة لإدارة المؤسسات من مواءمة الإستراتيجية وإدارة المخاطر إلى مشاركة أصحاب المصلحة والتحسين المستمر. هو لا ينظر للحوكمة باعتبارها مجالاً منفصل ولكنه يدمجها في السياق الأوسع لإدارة المؤسسة. ومن خلال القيام بذلك، يمكّن COBIT المنظمات من امتلاك رؤية شاملة لاحتياجات العمل و طريقة منسقة و متماسكة لتحقيقها. وبذلك فإن COBIT ليس مجرد مجموعة من القواعد الارشادية ولكنه شريك استراتيجي يساعد المنظمات في تسخير الإمكانات الكاملة لتكنولوجيا المعلومات لتحقيق أهداف العمل وإدارة المخاطر وتحقيق القيمة مما يضمن أن تصبح تكنولوجيا المعلومات عامل تمكين استراتيجي بدلاً من ذلك من أن تكون عنق الزجاجة الذي يخنق الأعمال.