لم يعد الأمن السيبراني في المؤسسات الحديثة مجرد مسألة تقنية، بل أصبح أولوية على مستوى مجالس الإدارة. فقد أدى تصاعد وتيرة وتأثير الحوادث السيبرانية إلى تهديد مرونة المؤسسات وسمعتها ، وقدرتها على الإيفاء بمتطلبات الامتثال. تبرز أهمية مسؤولي أمن المعلومات (CISOs) في تحويل البيانات التقنية المعقدة إلى رؤى واضحة وقابلة للتنفيذ تُسهم في اتخاذ قرارات استراتيجية. ومن خلال التركيز على المقاييس الأكثر صلة، يمكن لقادة الأمن أن يساعدوا مجالس الإدارة على فهم وضع المؤسسة من ناحية المخاطر، وتبرير الاستثمارات، وتعزيز ثقافة المساءلة.
تحديد الأولويات
غالباً ما يفتقر أعضاء مجالس الإدارة إلى الإلمام الكافي بالتفاصيل التقنية التي تتضمنها تقارير الأمن السيبراني التقليدية، مما قد يؤدي إلى سوء فهم، أو صعوبة في تمرير الاستثمارات أو التعاون مع مسؤولي أمن المعلومات ، أو توجيه الأولويات بشكل خاطئ. وبالتالي، فإن ما يهم مجالس الإدارة بالدرجة الأولى هو كيفية تحول المخاطر السيبرانية إلى مخاطر أعمال، مثل الخسائر المالية، والضرر بالسمعة، والمخاطر التنظيمية. فالمعلومات التقنية البحتة – كعدد الهجمات التي تم صدها أو سجلات الجدار الناري – لا تقدم قيمة تذكر ما لم يتم ربطها بنتائج تؤثر على الأعمال.
يتطلب تقديم تقارير فعالة لمجلس الإدارة إعادة صياغة هذه المقاييس ضمن إطار يُظهر احتمالية وشدة الحوادث السيبرانية والتكلفة المحتملة المرتبطة بها. فعلى سبيل المثال، بدلًا من مجرد ذكر عدد الثغرات المكتشفة، يجب على مسؤولي الأمن السيبراني تسليط الضوء على نسبة الثغرات الحرجة التي تم معالجتها خلال فترة زمنية معينة، وتقدير الكلفة المحتملة في حال عدم معالجتها.
تساعد هذه الطريقة مجالس الإدارة على دعم مسؤولي أمن المعلومات بعد تكوين تصور دقيق عن المخاطر، وتمكينهم من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن شهية المخاطرة وتخصيص الموارد والاستثمارات الاستراتيجية. وباستخدام أدوات قياس المخاطر، يمكن لمسؤولي الأمن تقديم البيانات السيبرانية بلغة الأعمال، ومواءمة المبادرات الأمنية مع أهداف المؤسسة الأوسع، ما يعزز رؤية الأمن السيبراني كمحفز استراتيجي و ممكن للأعمال، لا كمركز تكلفة.
مسؤولي أمن المعلومات – تقارير مجلس الإدارة
لتقديم صورة شاملة وقابلة للتنفيذ عن الصحة السيبرانية للمؤسسة، يجب أن يركز مسؤولو الأمن على المقاييس التالية:
- التعرض المالي للحوادث السيبرانية: تقدير الخسائر المحتملة الناتجة عن حوادث مثل هجمات الفدية أو تسريب البيانات، مما يساعد في تحديد أولويات الاستثمار.
- مستوى المخاطر بمرور الوقت: تتبع تطور مستوى المخاطر في المؤسسة، وتقييم ما إذا كانت الجهود الأمنية تؤدي إلى تقليل الخطر أو إذا ما كانت تهديدات جديدة تظهر.
- مدى الالتزام بالتشريعات واللوائح: قياس مدى التزام المؤسسة باللوائح والمعايير التنظيمية، مع إبراز الفجوات التي قد تؤدي إلى غرامات أو ضرر بالسمعة.
- كفاءة الاستجابة والتعافي من الحوادث: قياس سرعة وفعالية كشف واحتواء واستعادة العمليات بعد الحوادث، باستخدام مؤشرات مثل “متوسط وقت الكشف” و”متوسط وقت الاستجابة”.
- مخاطر الجهات الخارجية والموردين: تقييم الوضع الأمني للشركاء والموردين الرئيسيين، وتحديد المخاطر المحتملة التي قد تأتي من سلسلة التوريد.
عند وضع هذه المقاييس في سياق تأثيرها على الأعمال ومقارنتها بمعايير الصناعة، فإنها تقدم لمجالس الإدارة رؤية واضحة وشاملة لإدارة الأمن السيبراني وتحديد جوانب تحتاج إلى تحسين أو استثمار إضافي.
مسؤولي أمن المعلومات – سرد القصص
لا يقتصر تقديم التقارير الفعالة لمجلس الإدارة على عرض الأرقام، بل يتعلق الأمر بسرد قصة تربط الأداء الأمني بنتائج الأعمال. ينبغي على مسؤولي الأمن البدء بملخص تنفيذي يوضح البرنامج العام لإدارة المخاطر السيبرانية، ومشهد التهديدات الحالي، وتأثير هذه المخاطر على الأعمال. كما يجب أن يتضمن هذا الملخص أبرز التهديدات، والحوادث الأخيرة، وفعالية إجراءات التخفيف، مع استخدام الرسوم التوضيحية واللغة البسيطة لجسر الفجوة بين التفاصيل التقنية والرؤية الاستراتيجية.
وفي ظل توقع تزايد إدماج المخاطر السيبرانية في أطر إدارة مخاطر المؤسسات، بات من الضروري لمسؤولي الأمن تقديم رؤية واضحة لا تقتصر على الوضع الحالي، بل تشمل اتجاهات الأمن المستقبلية أيضاً. ويساعد القياس وتتبع التقدم عبر الزمن على تحديد ما إذا كانت المؤسسة تواكب التهديدات المتغيرة والمتطلبات التنظيمية.
كما ينبغي إشراك مجالس الإدارة في مناقشات حول مدى تقبل المخاطر، واستخدام مقاييس كمية لاتخاذ قرارات بشأن قبول أو تخفيف أو نقل المخاطر (مثل التأمين السيبراني). وبالتالي، من خلال مراجعة دورية لمقاييس المخاطر السيبرانية بجانب غيرها من المخاطر المؤسسية، يمكن ضمان بقاء الأمن السيبراني بندًا ثابتًا على أجندة الاستراتيجية. ويمكن للتقييمات المستقلة والمقارنات الخارجية أن تعزز من الثقة في فعالية الجهود الأمنية، وتحدد مجالات التحسين المحتملة.
خاتمة
عندما يتم تأطير الأمن السيبراني كمصدر لقيمة الأعمال والمرونة المؤسسية، يصبح بالإمكان تجاوز النظرة التقليدية التي تراه كوسيلة دفاعية فقط. وباستخدام المقاييس المناسبة وسردية واضحة، يمكن للأمن السيبراني أن يتحول إلى أحد الأصول الاستراتيجية التي تدعم النمو طويل الأجل وثقة أصحاب المصلحة.