إنها الحادية عشر صباحاً، ابنك في المدرسة. يشعر معلم بالفخر عندما يقرأ صفحات من الكتابة الإبداعية خطها ابنك. يعتقد المعلم أنها أفضل نص رآه في هذا الصف. لكن شكوكاً مزعجة تتسلل. هل هذا نتاج عقل ذلك الطالب، أم أن العقل وراء هذه التعابير الرائعة، مصطنع؟ بقليل من الضعط، يعترف ابنك أن النص بمجمله مولد باستخدام ذكاء اصطناعي.
حدود الكتابة الإبداعية
أهلاً بكم في العام 2024، حيث لم يعد الخط الفاصل بين المحتوى البشري والمحتوى الذي ينتجه “الذكاء الاصطناعي” غير واضح فحسب. بل إنه غير مرئي عملياً. يزداد تعقيد الأمور يوماً بعد يوم. فنحن لا نتعامل فقط مع عالم من البشر مقابل الذكاء الاصطناعي. لكن هناك مساحة متداخلة من التعاون بين البشر والذكاء الاصطناعي. كم منا يستخدم أدوات التدقيق الإملائي أو النحوي أو النص التنبؤي كل يوم؟ نحن جميعاً كائنات آلية (أو نصف آلية)، نعزز كتاباتنا بمساعدة الذكاء الاصطناعي. قد يستخدم بعضنا الذكاء الاصطناعي لتبادل الأفكار أو صقل النص. وقد يسمح آخرون له بإنشاء مقالات أو تقارير كاملة. ولنتذكّر الجهات الفاعلة السيئة. إنهم لا يستخدمون الذكاء الاصطناعي فحسب. بل إنهم يستخدمونه كسلاح، ويخلقون جيوشاً من البوتات لنشر المعلومات المضللة، وتصميم عمليات احتيال شخصية وحتى انتحال شخصية أعز أفراد عائلتنا وأصدقائنا.
البحث عن الواقعية
إذن أين نرسم الخط الفاصل؟ ما هو التعبير البشري الأصيل؟ وما هو الاصطناعي؟ هل المقال الذي يكتبه الإنسان وتصقله أدوات الذكاء الاصطناعي أكثر واقعية من المقال الذي يولده الذكاء الاصطناعي والذي تمت مراجعته وتحريره وتشكيله بواسطة إنسان؟ إن حل هذا اللغز ليس صعباً فحسب. إنه هدف متغير باستمرار، وبالتالي من الصعب إصابته تماماً. مع تطويرنا لتقنيات ومنهجيات الكشف عن التزييف أو الانتحال، تصبح نماذج الذكاء الاصطناعي أكثر تعقيداً وتطوراً. إنه سباق من نوع فريد، حيث يستمر خط النهاية في التحرك للداخل والخارج في آن معاً. وبالتالي، فالمخاطر في ازدياد. ونحن نتحدث هنا عن مستقبل الثقة والإبداع البشري وكيف نتواصل مع الناس في العالم من حولنا. لكن، حتى لا نيأس، هناك عقول لامعة تعمل على مدار الساعة لمواجهة هذا التحدي، ومحققون رقميون يطورون تقنيات متطورة لكشف المحتوى الاصطناعي.
تهديدات المصداقية
لا يتعلق التحدي فقط بالتكنولوجيا المستخدمة. إنه أيضاً العقلية والفلسفة حول مفهومنا لما هو أصيل، وما هو اصطناعي، وما نوع الواقع الذي نقرر أننا نقبله أو نرفضه. من هنا يأتي دور المنصات المتخصصة في اكتشاف المحتوى الغير بشري، وتحديداً المحتوى الذي تمت كتابته أو تأثره إلى حد كبير بالذكاء الاصطناعي.
يعتقد الكثير من الناس أن المحتوى الغير بشري يُنتج مخاطر على موقعك الإلكتروني . وبالتالي، من خلال معرفة ما إذا كان هذا المحتوى من صنع الذكاء الاصطناعي أو من صنع الإنسان، فأنت من يتخذ القرار القائم على المخاطر بشأن ما إذا كان ينبغي لك نشر هذا المحتوى على موقعك أم لا.إذا كنت تدفع لكاتب 1000 درهم مقابل قطعة من المحتوى، لكن هذا الكاتب قام فقط بنسخها ولصقها من ChatGPT، فأنت تحصل على صفقة سيئة للغاية. لكن، إذا نظرنا إلى المستقبل القريب فسندرك حقيقة أن الذكاء الاصطناعي سيترك بصمته في مرحلة ما من دورة حياة كل مقال ينشر. إذا كنت تستخدم Microsoft Word المعزز بقواعد نحوية وعلامات ترقيم واقتراحات إملائية ، فهناك بعض بصمات الذكاء الاصطناعي في النص. إذن، ما معيار الثقة وعدم الثقة في أصالة ذلك النص كمحتوى فريد؟
الكتابة الإبداعية بيد الأشرار
لتقليل مخاطر البريد العشوائي، تعتمد المؤسسات حلول الذكاء الاصطناعي للتعامل معه عبر بعض الخوارزميات ومحاربته. إنهم يحاربون ذلك من خلال ملاحقة رسائل البريد العشوائي التي تنتجها الذكاء الاصطناعي. وإذا كنت تنشر محتوى الذكاء الاصطناعي، فإنك قد تكون ضحية هذه الحرب ومجرماً أيضاً. بمجرد أن تتمكن من إنشاء محتوى الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، فجأة ستصبح سلاحاً في يد بوتات ومتصيدين يعملون بمستويات ومثابرة لم تكن موجودة من قبل. لذا فإن ما تنشره قد يساهم في التضليل والمعلومات الخاطئة.
يجعل الذكاء الاصطناعي إنشاء المحتوى فعالاً بشكل لا يصدق، مما يؤدي إلى رفع كفاءة أي شخص يعمل في مجال النشر وبالنتيجة، عندما يتعلق الأمر بالمعلومات المضللة، فإن ذلك يتعلق بنشاط متصيدي احتيال قادرين على نشر محتوى آلي. تواجه منصات كشف التزييف هذه الأنشطة وتسعى لرسم خط فاصل دقيق بين ما هو مقبول وما هو غير مقبول. وفي عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي، من الضروري والمتعب، محاولة معرفة أصل كل قطعة نص أو قطعة محتوى موجودة على موقعك لتتجنب عقوبات جوجل. لدى الذكاء الاصطناعي فرصة جيدة و دقة في القدرة على تحديد ما إذا كان شيء ما مكتوباً بواسطة الذكاء الاصطناعي أو الإنسان ضمن مستوى ثقة معين.
لكن ما الذي يحدده على أنه ذكاء اصطناعي أو بشري؟ وما هي القواسم المشتركة بين النوعين؟ هل هناك تغييرات صغيرة يمكننا إجراؤها لجعلها تبدو بشرية؟ وما النسب المسموحة وكيف تُقرأ؟ دعنا نقول إنه 70٪ نتاج الذكاء الاصطناعي و30٪ بشري؟ يعني ذلك أننا واثقون بنسبة 70% من أن الذكاء الاصطناعي أنشأ تلك الوثيقة، وليس أن 70% منها كان من الذكاء الاصطناعي و30% من البشر .بالنسبة للمؤلفين الذين يكتبون الكتب ، هناك عادةً ثلاث أو أربع جولات من التحرير والتدقيق والمراجعة قبل النشر ، ومع ذلك، نرى أخطاء مطبعية في الكتب . فهل نرى ما يشبه ذلك في عوالم الذكاء الاصطناعي قريباً؟
كلمة أخيرة
من الواضح أن تأثير الذكاء الاصطناعي على الكتابة الإبداعية ليس اتجاهاً عابراً، ولكنه أصبح جزءاً من عملية الإبداع. من مدققات الإملاء الأساسية إلى المساعدة المتقدمة في الكتابة، ينسج الذكاء الاصطناعي نفسه في تفاصيل حياتنا. ويصبح التمييز بين المحتوى الذي يولده الإنسان والذكاء الاصطناعي أكثر صعوبة، مما يمثل تحديات وفرصاً في نفس الوقت. لنلتزم باستخدام الذكاء الاصطناعي بمسؤولية. و لنطور مهارات التفكير النقدي لدينا ونحافظ على تلك اللمسة الإنسانية الأساسية في تفاعلاتنا الرقمية. بعد كل شيء، فإن سماتنا البشرية الفريدة وتجاربنا وعواطفنا ووجهات نظرنا هي التي تعطي الحياة لكلماتنا. في هذا العالم الذي تشكله الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد، يصبح ذكاؤنا الطبيعي وقدرتنا على التساؤل والتفكير والتعاطف أكثر قيمة من أي وقت مضى.