من المؤكد أن السيدة أم كلثوم لم تستثمر في العملات الرقمية. لكن مقطعاً شهيراً من إحدى أغنياتها قد يراه البعض توصيفاً لحال العملات الرقمية. كان صرحاً من خيال فهوى. لم تصل العملات الرقمية لمرحلة الأطلال فهي مازالت تكافح أو تكابر ربما. و لكن إذا تلاشت فسيبكي على أطلالها كثيرون.
نعم، نعيش فيما يبدو أنه عصر انهيار العملات الرقمية. لكن هل هناك ريمونتادا La Remontada تقلب النتائج و تصنع معها هذه العملات انتصارها و تعيد للمستثمرين أمل حياتهم بعد رحلة عاصفة.
Blockchains والعملات الرقمية
تعتمد العملات الرقمية على فكرة Blockchains التي تشكل الأساس للعديد من العملات المشفرة وأبرزها عملة البيتكوين Bitcoin. توفر Blockchains سجلاً غير مركزي و موزع و عام يستخدم لتسجيل المناقلات المالية عبر حواسب متعددة. بذلك يصبح سجل هذه المناقلات غير قابل للتعديل بمفرده دون تنبه كل السلسلة أو “الحواسب” لذلك التعديل. أي أن كل تعديل يتطلب موافقة كامل السلسة أو الشبكة و بالتالي لا يمكن لمهاجم بمفرده من جانب واحد أن يقوم بتنفيذه خلسة بشكل ناجح.
العملات الرقمية و الجرائم السيبرانية
كما أسلفنا، العديد من العملات المشفرة مبنية على بلوكشين. تستخدم العملات المشفرة سلاسل الكتل Blockchains لتتبع عمليات نقل البيانات الرقمية ، ولكن يمكن استخدام blockchain بشكل عام لتتبع عقود من كل الانواع و ليس فقط العملات المشفرة /الرقمية.
رأى المجرمون السيبرانيون في ازدياد شعبية العملات الرقمية فرصة لهم لتطوير نشاطاتهم الإجرامية. استغلوا حواسب ضحاياهم للقيام بعملات تعدين غير شرعية. لم تكن تلك العملية مجدية تماماً من وجهة نظر اقتصادية. ففي العام 2014 قدرت أرباح التعدين الغير قانوني بما يقارب 900 دولار يومياً. لكن مع مرور الوقت أصبحت العملية ذات ربحية أعلى وصلت إلى 18 مليون دولار في خلال سنتين فقط.
الارتفاع في الربحية دفع المجرمين إلى البحث عن ثغرات أخرى يمكنهم النفاذ من خلالها لزيادة أرباحهم. من هنا أتت فكرة قرصنة متصفحات الويب لتحويلها لأداة للتعدين أيضاً.لن يتم تنزيل برمجيات خبيثة على حاسب الضحية. و لكن للقيام بعملات تعدين غير قانونية خلسة فقد قام المجرمون بإضافة برمجيات scripts لصفحات الانترنت. تجبر الـ scripts متصفحات أولئك الزائرين على التعدين دون علم من أصحابها.
عرفت هذه العملية بـ cryptojacking. مع ملاحظة أن إضافة الـ scripts لصفحات الويب ليس دائماً غير قانوني. فعلى سبيل المثال، يلجأ مدراء المواقع إلى إضافة تلك الـ scripts لمواضيع الإعلانات و ما شابه. لكن استغلال تلك البرمجيات بالتعدين هو ما صنف على أنه غير قانوني.
انهيار العملات الرقمية و فيروس الفدية
يعتبر فيروس الفدية من أخطر التهديدات للأمن السيبراني في العالم. يقوم المجرمون بتشفير بيانات الضحية و يطلبون فدية ليسمحوا له باستعادتها مجدداً. سمح التطور الكبير في البرمجيات الخبيثة للمجرمين بتوسيع نطاق الضحايا المستهدفين. يضاف لذلك وجود آلية دفع مثل العملات الرقمية سمحت للمجرمين بالبقاء متخفين بينما هم يحصلون الفدية من ضحاياهم. يعتبر فيروس الفدية في عصرنا الحالي قطاع الأعمال المفضل للمجرمين السيبرانيين.لقد أتاح لهم تحقيق الربح بأقصر طريقة ممكنة. لم يعد مطلوباً منهم بذل الجهد لدفع الضحية لشراء منتج معين عبر إغراقه برسائل الدعايات spam حول ذلك المنتج. كما لم يعد من الضروري بالنسبة لهم جعل الضحية هدفاً للاحتيال عبر عملية طويلة الأمد، كما هو الحال في عمليات التصيد الاحتيالي phishing.
على العكس من ذلك فإنه في حالة فيروس الفدية يصبح المجرمون بسرعة في موقف تفاوضي أقوى. في لحظة نجاح الهجمة و قيامهم بتشفير بيانات الضحية الهامة تزداد قوة المهاجمين .و تحديداً في ظل غياب خيارات بديلة لدى الضحية لاستعادة البيانات. إحدى هذه الخيارات هي وجود خطط نسخ احتياطي فعالة مثلاً.
لابد أن انهيار العملات الرقمية سيكون له تأثير ما على هجمات فيروس الفدية. في الحقيقة دفعت ملايين الدولارات بعملات رقمية -بيتكوين غالباً- كفدية لمجرمين سيبرانيين.
العملات المشفرة سلاح بيد المجرمين السيبرانيين
تاريخياً، اتبعت بعض البرمجيات الخبيثة طريقة مشابهة لتلك التي يستخدمها فيروس الفدية لكن بشكل أقل تعقيداً. و ذلك عبر قفل ملفات إقلاع حاسب الضحية bootloader بكلمة سر لا يمكنه معرفتها إذا لم يدفع مبلغاً معيناً.
على الرغم من أن هذه التقنيات أتاحت للمجرمين الحصول على أموال إلا أن طرق الدفع القديمة أوقعت المجرمين في شر أعمالهم. .حيث تمكنت الشرطة من الوصول للكثيرين منهم خلال أو بعد عمليات الدفع . مع أن تلك الهجمات كانت تعتبر أقل خطراً من فيروس الفدية. ففي تلك الحالات أبقيت معلومات الضحايا المخزنة على حواسبهم سليمة. و لكنهم منعوا من الوصول إليها فقط لذلك كان يمكنهم الوصول لبياناتهم مجدداً بمجرد إزالة البرمجية الخبيثة التي استخدمها المهاجمون.
في وقتنا الحالي، يعتبر المجرمون السيبرانيون العملات الرقمية الطريقة الآمنة لتحصيل أرباح عملياتهم الإجرامية المرتبطة بفيروس الفدية. و كذلك المجرمون في أسواق المخدرات و العقاقير الممنوعة. حتى أن المجرمين التقليديين يميلون لاعتماد العملات الرقمية كخيار للدفع في عملياتهم الإجرامية التقليدية فيما لو خيروا بينها و بين وسيلة دفع أخرى. إنهم يعتبرونها أقل قابلية للتعقب من قبل الشرطة. علماً أن تعقبها ليس مستحيلاً و إنما أكثر صعوبة فقط. لكن حالما قام المجرمون بتحويل أموالهم الرقمية لأموال تقليدية فإنهم سيكسبون مالاً حقيقياً يحملونه بأيديهم ولكن سيخسرون معه فكرة صعوبة تعقبهم.
الجرائم السيبرانية ضد العملات المشفرة
لكن مع كل هذه البنية التحتية المستقرة التي سبق شرحها فقد يحدث أحياناً أن تختفي محفظة رقمية بكل أموالها بما يعرف exit scam. أو أن يتعرض مالكو محافظ العملات الرقمية للخداع مما يؤدي بهم لضياع الأموال. لقد أصبحت العملة المشفرة طريقة الدفع المفضلة لجميع أنواع عمليات الاحتيال كمنتحلي الدعم الفني ، أومسؤولو التوظيف الوهميين وحتى بعض عمليات الاحتيال في المزادات.
كذلك تمثل ماكينات الصرف الآلي (ATM) المستخدمة لشراء العملات المشفرة طريقة محببة للمجرمين لسحب نقودهم أو بالأحرى غسلها بعد عمليات الاحتيال.
يضاف لذلك مدعي دعم العملات المشفرة الذين يقدمون أنفسهم على أنهم ناصحين صادقين.قد يقومون مثلاً بتنبيه مالكي محافظ العملات المشفرة بوجود مشكلة في محفظتهم الرقمية و يقنعون المالكين بإعطائهم حق الوصول إلى محفظة التشفير الخاصة بهم أو تحويل محتويات محفظتهم إلى محفظة أخرى “لحماية” تلك الأموال.
محتالو خدمات الدعم الفني الوهمية موجودون على الانترنت بكثرة و يهدفون عللى مدار الساعة لإقناع المستخدمين و منهم طبعاً مالكي العملات الرقمية بالتخلي عن معلومات تسجيل الدخول أو إتاحة الفرصة للمحتالين للتحكم في حسابات التشفير الخاصة بهم.
أما ما يعرف بالاحتيال الرومانسي فهو يستهدف الجميع و منهم مستثمري العملات الرقمية أيضاً.عادة ما يكون الاتصال الأولي للمخادع قد تم إجراؤه عبر تطبيقات المواعدة ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى. يكتسب المحتال ثقة الضحية ، ثم يدعي أن لديه معرفة باستثمار أو تداول العملات المشفرة و أن لديه معرفة بفرص استثمارية ستؤدي إلى أرباح كبيرة. ثم، تنتهي الأموال في جيب المحتالين أو محافظهم الرقمية. و ربما مع قليل من الرومانسية التي لن تنجح بتخفيف ألم الخسارة المالية كما نعتقد.
بالمحصلة، فإن ما نراه اليوم ربما يكون دليلاً على أن كلاً من blockchain والعملات المشفرة من المحتمل أنه قد تم استثمارهم بشكل مبالغ فيه و ربما قبل أن ينضج بما فيه الكفاية. من الخطر أن تطلب من طفل بدء بالزحف أن يقفز على حافة الشرفة. الطفل هو العملات الرقمية، و الشرفة هي عالم ما بعد الجائحة، حروب واقتصاد مترنح و أزمات متداخلة.