هناك الكثير من المقالات التي كتبها صحفيون ، أو تقارير صادرة عن شركات والتي يمكنك قراءتها لمعرفة المزيد عن أحدث الشركات الناشئة التي جمعت مبالغ ضخمة من التمويل. لكن هذا المقال يتحدث عن ريادة الأعمال والشركات الناشئة في مجال الأمن السيبراني تحديداً والتي تسهم في التحول الرقمي عالمياً.
ريادة الأعمال والشركات الناشئة
ما يميز رواد الأعمال في الأمن السيبراني أنهم جميعاً مدافعون. يعملون معاً لدعم بعضهم البعض ضد مجرمي الانترنت. حتى لو كانوا يديرون شركات متنافسة. لكنهم ليسوا “مدافعين سيبرانيين” بالتوصيف النموذجي. هم لا يعملون في مركز العمليات الأمنية (SOC)، لكن عملهم في استكشاف وبناء منتجات جديدة لا يقدر بثمن. إنهم يقدمون مساهمتهم من خلال استكشاف الابتكارات الجديدة، واستثمار وقتهم وأموالهم وطاقتهم في تحويل الأفكار البسيطة إلى أدوات أمنية فعالة. والأدوات هي منتجات، والمنتجات تصبح منصات تديرها شركات.
أغلب رواد الأعمال لديهم مسار مهني غير تقليدي. ثم يبدأ كل شيء مع ابتكار تكنولوجي جديد لينتهي بهم الأمر إلى خلق فرص عمل عبر تأسيس شركات ناشئة. كان البعض منهم يعملون في مجال الأمن السيبراني، ثم تحولوا نحو ريادة الأعمال. ومع ذلك، لم يشعروا أنهم تركوا مجتمعاً لينضموا إلى مجتمع آخر، بل أصبحوا جسراً بين المجتمعين.
في الشركات الناشئة، ترى الموظفين يجلبون أجهزتهم الخاصة إلى العمل. أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة التي دفعوا ثمنها بأنفسهم. لقد فعلوا ذلك لأنهم أرادوا استخدام أحدث التقنيات وأكثرها ابتكاراً والتي كانوا يستخدمونها بالفعل في حياتهم الشخصية للقيام بعملهم بشكل أفضل. وذلك بدلاً من استخدام الأجهزة القديمة والمحدودة المواصفات والمقيدة التي تقدمها الشركة. لكن الأمر لا يخلو من التحديات الفريدة المتمثلة في جلب شيء جديد إلى السوق والتغلب على الخوف من المخاطرة الذي قد يمنعنا من تعزيز إمكاناتنا كمدافعين.
الشركات الناشئة – فرص غير مسبوقة
عاش أغلب رواد الأعمال السيبرانيين تلك الثورات التكنولوجية. كما اختبروا أدوار وظيفية متعددة، كما فعل الكثير منكم، أيها الأعزاء الذين تقرؤون هذا المقال. أعتقد أن ما نشهده الأن مع ظهور الذكاء الاصطناعي قد يكون أعظم قصة في الأمن السيبراني. إنها قصة لم تُروَ بعد. عند رؤية تطبيق ChatGPT لأول مرة، كان من الواضح أن هناك بحاجة إلى إعادة اختراع أنفسنا وبدء مشاريع جديدة ودفع الابتكار. نعلم اليوم أن الأمور تتحرك بسرعة. منذ الإصدار العام لتطبيق ChatGPT في تشرين الثاني- 2022، دخلنا عصراً جديداً. لقد حول الذكاء الاصطناعي العالم بسرعة، من التعليم والرعاية الصحية إلى خدمة العملاء والحياة اليومية.
لكن دمج الذكاء الاصطناعي في كل شيء (تقريباً)، قد خلق بالفعل تحديات وفرص غير مسبوقة في مجال الأمن السيبراني بسرعة لم نشهدها من قبل. في حين أننا تكيفنا مع تقنيات مثل الانترنت والأجهزة المحمولة والسحابة على مر السنين، فإن الذكاء الاصطناعي يتطلب استجابات أسرع وأكثر مرونة. لقد كانت فترة (كوفيد-19) دافعاً للتحول الرقمي في مرحلة ما، لكن عصر الذكاء الاصطناعي السيبراني يتطلب مستوى جديد من المرونة. سيتطلب ذلك منا جميعاً، مسؤولي الأمن، ومدراء المشتريات، وكبار قادة الأعمال، ومجالس الإدارة، وصناع السياسات، والأفراد الذين يديرون حياتنا المهنية، التفكير والعمل بما يتجاوز القيود التقليدية والقلق من التغيير لنتمكن من دعم الابتكار. لأن الجهات الفاعلة في التهديد لن تتراجع ولا ترى أي قيود تقنية أو أخلاقية تمنعها من المضي قدماً في مشاريعها.
ريادة الأعمال – عين على المستقبل
ما الذي يجعلنا متفائلين بشأن كل هذا التغيير الهائل، والسرعة التي يحدث بها وعدم اليقين الذي ينتج عنه؟ ربما نحن كمدافعين سيبرانيين سنحتاج إلى التصرف بجرأة، والابتكار بسرعة، للبقاء في الصدارة أمام المهاجمين. ويسمح لنا الذكاء الاصطناعي بامتلاك التقنيات المناسبة للتفوق على المهاجمين وإحداث تغيير لصالحنا. وهنا يأتي دور رواد الأعمال السيبرانيين.
إنهم يفكرون، ماذا سيحدث بعد ذلك وما الذي سيجلبه عصر الذكاء الاصطناعي للأمن السيبراني؟ من المبكر جداً توقع امتلاك إجابات كاملة عن تلك الأسئلة. يعتقد روبودين أننا ما زلنا في المرحلة الأولى فقط من هذا الماراثون. لكن إذا أردنا رسم خطوط عريضة لما يفكر فيه مبتكرو الأمن السيبراني على مدى السنوات الثلاث المقبلة فيمكننا اقتراح ثلاث مجالات: الأتمتة، والإصلاح، والحوكمة.
قطعت صناعة الأمن السيبراني خطوات ملحوظة إلى الأمام في إنشاء أدوات تركز على الكشف، والثقة الصفرية، وغيرها من التدابير الدفاعية. ومع ذلك، فإن المستقبل هو ذكاء اصطناعي (لدى المهاجيمن) مقابل ذكاء اصطناعي (لدى المدافعين) حيث ستكون القدرة على أتمتة ونشر حلول الذكاء الاصطناعي ضرورية ليس فقط لمعالجة التحديات المعقدة ولكن أيضاً لتجاوز قيود محدودية عدد المدافعين عبر تعزيز فعاليتهم وكفاءتهم وقدرتهم على الصمود.
الشركات الناشئة – أتمتة الأمن السيبراني
هنا تكمن أهمية الأتمتة: القضاء على المهام المملة والمتكررة، والتي على الرغم من قيمتها، إلا أنها تبدو وكأنك تصر على تحريك سيارة في طرق ترابية قديمة بدلاً من بناء طرق سريعة جديدة. لكن الابتكار الحقيقي لن يكون في جعل الأدوات والتقنيات والإجراءات الحالية أسرع، بل في إعادة تصور الكيفية التي يمكن بها للذكاء الاصطناعي أن يغير نهج عملنا بالكامل، ويزيد كفاءاتنا بشكل كبير. هذه الرؤية هي التي سمحت ببناء جدار الحماية من الجيل التالي وخلق قفزة إلى الأمام في التكنولوجيا الدفاعية. وراء كل ابتكار هناك لحظة التقت فيها التكنولوجيا والفكرة معاً في المكان المناسب في الوقت المناسب ودافع عنها شخص على استعداد لتبني الابتكار. اليوم.
الإصلاح (Remediation)
مجال آخر ناضج للإبداع هو الإصلاح (remediation). حتى مع كل الأدوات الرائعة المتاحة للكشف والدفاع، لا تزال المؤسسات تعاني من تأثيرات مادية بسبب الأحداث السيبرانية. وفي حين تم إحراز بعض التقدم في أتمتة الإصلاح، إلا أنه يظل إلى حد كبير عملية يتم التعامل معها من قبل مجموعة محدودة من المتخصصين ذوي المهارات العالية والخبرة في مجال الأمن السيبراني. لكن هناك فعلاً نقصاً في المواهب السيبرانية. والحقيقة هي أننا لا نستطيع توظيف أو تدريب أو الاحتفاظ بالمواهب الكافية لتلبية متطلبات الأمن السيبراني.
ولمعالجة هذه الفجوة، يجب علينا تطوير عملياتنامن مجرد التركيز على الأمن إلى المرونة الحقيقية. ويشمل ذلك استراتيجيات شاملة للإصلاح والتعافي واستمرارية الأعمال. يناسب هذا المجال بشكل مثالي الكفاءات التي يقودها الذكاء الاصطناعيمما يدعو رواد الأعمال السيبرانيين إلى إنشاء حلول مبتكرة ومحددة للأعمال مصممة للتعامل مع التحديات الفريدة في الوقت الحقيقي ومساعدة المؤسسات على البقاء والتعافي من آثار الأحداث السيبرانية . يرى روبودين أن الإصلاح (remediation) يوفر عوائد كبيرة على الاستثمار لكل من رواد الأعمال وعملائهم.
حوكمة الأمن السيبراني
إن المجال الثالث الذي نحتاج للتركيز عليه عليه هو الحوكمة والمخاطر والامتثال. نحن في المراحل الأولى من نوع جديد من المؤسسات التي تكاد تؤتمت كل شيء. وفي حين يوفر ذلك مزايا كبرى، فإنه يقدم أيضاً نقاط ضعف محتملة جديدة يمكن للجهات الفاعلة في التهديد استغلالها. يتطلب هذا التحول اتباع نهج مبتكرة للحوكمة والإشراف والامتثال، مما يضمن اتخاذنا لقرارات تجارية سليمة وأخلاقية مع الحفاظ على المساءلة.
لنتساءل ببساطة، كيف يمكننا توفير الإشراف على مستوى مجلس الإدارة للتكنولوجيات التي لم تكن موجودة بالأمس؟ كيف يقييم مسؤول أمن المعلومات المخاطر المرتبطة بنماذج الذكاء الاصطناعي التي لا نفهمها تماماً أو لا يمكننا شرح كيفية عملها ولماذا؟ وكيف يمكننا تطوير أطر الامتثال التي تتجاوز التقييمات الخطية الثابتة لمواكبة بيئة التغيير التي تتحرك بشكل أسي؟ هذه تحديات هائلة، ولكنها أيضاً فرص لا تصدق لرواد الأعمال السيبرانيين لحل المشكلات الفريدة وابتكار شيء لم يره العالم من قبل.
كلمة أخيرة
نعتقد أن الشركات الناشئة في الأمن السيبراني تعزز المرونة العالمية. يتميز مشهد الشركات الناشئة في مجال الأمن السيبراني في عام 2024 بالتغير التكنولوجي السريع، والميزانيات المتزايدة، والاهتمام من قبل الشركات بالابتكار. في حين أن التحديات التي تواجه الشركات الناشئة في مجال الأمن السيبراني كبيرة، وخاصة من حيث التمايز والعملاء الذين يميلون لتجنب المخاطرة، فإن هناك فرص استثمارية هائلة أيضاً.