على الرغم من الفوائد و الإمكانات التي تقدمها الانترنت وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات عموماً إلى النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم فإن توسع استخدام الانترنت رافقه بالمقابل ارتفاعاً في ظاهرة العنف الرقمى ضد المرأة . لكن هذا النوع من العنف ليس ظاهرة مستقلة. لكنه جزء من سلسلة متصلة من أشكال متعددة ومتكررة ومترابطة من العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد المرأة. في الشهر الذي يحتفل فيه العالم بعيد المرأة، يقدم روبودين ، فيما يلي ، محاولة متواضعة لتسليط الضوء على ما تعانيه المرأة على الانترنت من أشكال العنف الرقمي و الجرائم السيبرانية.
بين العنف و العنف الرقمي
“العنف” عموماً، هو استخدام القوة ، لممارسة الهيمنة و السيطرة الجسدية أو المعنوية على الضحية المستهدفة. سواءاً كان ذلك في العلاقات العامة ، في العمل مثلاً ، أو داخل الأسرة و بين الأقارب. أما العنف النفسي الذي تتعرض له المرأة فيتمثل في إهانتها و محاولة تقليل قيمتها الإنسانية . يأخذ ذلك أشكالاً متعددة أحدها الهجوم اللفظي ، والشتائم والتهديدات ، والابتزاز ، والسيطرة على الأنشطة ، والعزل عن العالم الخارجي.
يسبب العنف النفسي ضرراً لا يقل عن العنف الجسدي بل أنه أكثر خطورة لأن أثاره لا تظهر مباشرة للأطباء و المحققين كما تظهر كدمات و أثار العنف الجسدي حيث نلاحظ أن القانون يركز في معالجته للعنف على تقييم ضرر الإصابة الجسدية. بينما منطق الفضاء السيبراني يختلف عن العالم الحقيقي فلا أثر ظاهر للضرر ، وبالتالي ، فإن قوانين ذلك الفضاء ومعايير المحاسبة فيه يجب أن تختلف أيضاً عن العالم الحقيقي.
و انطلاقاً مما سبق، يعرف الخبراء العنف الرقمي (السيبراني) عموماً بأنه استخدام أنظمة الكمبيوتر للتسبب في عنف ضد الأفراد أو تسهيله أو التهديد به ، مما يؤدي (أو من المحتمل أن يؤدي إلى) ضرر أو معاناة جسدية أو جنسية أو نفسية أو اقتصادية وقد يشمل استغلال ظروف الفرد أو خصائصه أو نقاط ضعفه . تمثل العديد من أشكال العنف السيبراني انتهاكاً لخصوصية الضحايا. قد يشمل ذلك عمليات اختراق الكمبيوتر للحصول على البيانات الشخصية أو سرقتها أو الكشف عنها أو التلاعب بها. و كذلك نشر الاسم الحقيقي لشخص ما أو عنوانه أو وظيفته أو أي بيانات تعريفية أخرى دون موافقة الضحية (“doxing“). الهدف هو إذلال الضحية أو التنمر عليها. أو أعمال مثل “المطاردة عبر الانترنت” أو “الابتزاز / الانتقام اللا أخلاقي.
بعض أنواع العنف الرقمى ضد المرأة
المطاردة عبر الانترنت
المطاردة عبر الانترنت تشبه المطاردة في العالم الحقيقي و لكن يتم ارتكابها باستخدام الوسائل الإلكترونية أو الرقمية. إنها أحد أوجه العنف الرقمى ضد المرأة. هي فعل منهجي ومستمر وتنطوي على حوادث متكررة يرتكبها نفس الشخص حتى يقوض شعور الضحية بالأمان . تشمل تلك الوسائل التي يستخدمها المطارد (بضم الميم) رسائل البريد الإلكتروني و الرسائل الفورية التي تتضمن التهديد و التعليقات المسيئة المنشورة على الانترنت. كما تتضمن دخول غرف الدردشة التي يتردد عليها الضحية للتلصص عليها ، وإغراق الضحية برسائل البريد الإلكتروني ذات اللغة البذيئة. مع أن المطاردة الإلكترونية تؤثر على كل من الرجال والنساء ، لكن النساء مستهدفات على وجه الخصوص.
المضايقات الإلكترونية
المضايقات و التحرش الإلكتروني هي فعل مؤذي و متكرر يستهدف شخصاً معيناً ويهدف للتسبب بأزمة عاطفية شديدة للضحية أو خلق شعور من الخوف لديها.
التنمر الإلكتروني
التنمر الإلكتروني هو شكل من أشكال التنمر أو المضايقة الذي يتم باستخدام الوسائل الإلكترونية. يستهدف التنمر السيبراني الأطفال والمراهقين و السيدات الذين يتسمون بالضعف بالمعنى القانوين والعاطفي. وأصبح هذا النوع من العنف شائعاً بشكل متزايد بين المراهقين نتيجة لعزلتهم و تمضيتهم أوقات طويلة على الانترنت.
خطاب الكراهية عبر الانترنت
يعرف هذا الخطاب بأنه أي سلوك يحرض بشكل علني على العنف أو الكراهية. كما يكون موجهاً ضد مجموعة من الأشخاص. أو ضد أحد أعضاء هذه المجموعة بناءاً على العرق واللون والدين أو النسب أو الأصل القومي.
العنف الرقمى ضد المرأة – مشاركة الصور
من أكثر أساليب العنف الرقمي ضد المرأة شيوعاً هو إساءة استخدام صور خاصة و نشرها دون رضا الضحية، ولا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي. أحياناً، تقع النساء في فخ إرسال محتوى خاص لشخص تثق به عبر الانترنت. و بالتالي، تشارك معه صور أو مقاطع فيديو ، ولكن دون أن تمنحه إذن إعادة مشاركتها. في أغلب الحالات يقوم متلقي هذه المواد بمشاركتها مع آخرين إما بهدف الضرر أو الربح المادي. كذلك قد يحدث أحياناً أن المحتوى المستخدم بالتحرش أو العنف و الابتزاز قد تسرب بطريق الخطأ من الضحية أو أحد أصدقائها أو أفراد عائلتها وفقدوا التحكم به و أعيد نشره و تداوله دون رضاهم.
الانتباه للخطر
يميل البعض إلى تقليل أثار العنف السيبراني لاعتبارات تتعلق بغياب التواصل الفيزيائي -غالباً- بين المهاجم و الضحية. يدفع ذلك للافتراض أحياناً أن مستوى الخطر في هذه الحالات أقل من العنف الجسدي. لكننا نمضي على الانترنت وقتاً لا يقل عما نقضيه في ممارسة نشاطات حياتية تقليدية. لذلك فإن تحول الانترنت وأدوات التواصل الاجتماعي لمصدر خوف للنساء بسبب معنفين رقميين أو مبتزين أو مطاردين سيبرانيين ينعكس بالضرورة على الحياة الشخصية و ربما يؤدي لانهيار العلاقات و تهدم الأسر.
سمات العنف الرقمى ضد المرأة
إخفاء الهوية
منح التطور الكبير في أدوات الانترنت فرصة للمهاجمين السيبرانيين لإخفاء هويتهم. رغم أن ذلك كان متاحاً سابقاً إلا أنه أصبح أسهل بكثير هذه الأيام. تتيح التقنيات تجاوز الهويات الحقيقية بحيث يمكن للمعتدي أن يأخذ اسماً مستعاراً ، أو أن ينتحل كلياً شخصية أحد ضحاياه ليهاجم ضحية جديدة بشكل يعقد مهمة متابعته و الكشف عن شخصيته مما يعزز لدى المهاجم الشعور بإمكانية الإفلات من العقاب.
غياب التعاطف – العنف الرقمى ضد المرأة
لنفترض أن لدى بعض المجرمين السيبرانيين بقية من الإنسانية و التعاطف. تتم الهجمات السيبرانية ضد المرأة عبر الانترنت، لذلك فإن المعتدي لا يرى بشكل مباشر آثار أفعاله على ضحيته. يقلل ذلك -أو يعدم- أي أثر للتعاطف أو الشعور بالذنب لديه. ما سبق لا ينفي أن عدد كبيراً من ضحايا العنف السيبراني يتعرضون أيضاً للعنف وجهاً لوجه من معتدين يعرفون الضحية ويتواصلون معها بطريقة قد لا يعرف بها الضحية من هو الجاني.
الانتشار السريع
السمة الأهم للعنف السيبراني هي القدرة الهائلة لنشر التهديد و تحويله لفعل ضاغط خلال زمن قصير. ربما بنقرة واحدة سيتم توزيع صورة للضحية على ملايين الأشخاص متاحة لهم على مدار الساعة.
مواجهة العنف الرقمى ضد المرأة
يحتل الأمن السيبراني صدارة اهتمام الدول والشركات الخاصة على الرغم من مصالحهم المتنافسة في كثير من الأحيان. لكن هناك حاجة لمزيد من التعاون بين صانعي السياسات والشركات والخبراء لحماية النساء من العنف الرقمي. يتطلب ذلك التركيز على ردع تلك الجريمة الإلكترونية في مهدها و تجريم إنتاج أدوات تسهل ذلك النوع من العنف كأدوات التجسس و التلصص السيبراني.
تسعى الحكومات لامتلاك القدرة على مقاضاة أولئك المتورطين في أعمال عنف ضد المرأة. و لكن يجب أيضاً تشجيع النساء على الإبلاغ عن تعرضهم لأي حادثة عنف رقمي أو عنف بكل اشكاله. بالمقابل، يجب ألا تنتهك إجراءات حماية المرأة خصوصيتها أو تتحول لذريعة لمراقبتها و تقييد حريتها مما قد يجلب ضرراً جديداً عليها.
كلمة أخيرة
يبحث المجرمون دائماً عن فريسة سهلة ومن هنا يتم استهداف النساء. يحتاج الضحايا إلى التوعية باستخدام الكمبيوتر و أدوات الانترنت بشكل آمن. يجب أن يكونوا أكثر وعياً بمخاطر الجريمة الإلكترونية . يشكل العنف ضد المرأة على الانترنت مصدر قلق شديد في الدول العربية، ويشكل تهديدا لسلامة المرأة البدنية وصحتها النفسية، كما أنه يهدد تواجد المرأة ومشاركتها في الفضاء الإلكتروني.
إن نصائح مهمة مثل تجاهل المتحرشين السيبرانيين أو عدم مشاركة المعلومات الشخصية لم تعد كافية لاتقاء شر المهاجمين. إنهم يتسللون لحياة النساء الرقمية رغم كل شيء. يلتقي روبودين بمحتواه الهادف للتوعية السيبرانية مع الجهود الطيبة التي تهدف لتمكين المرأة في الفضاء السيبراني و حمايتها من العنف الرقمي و كذلك حماية الفئات الأكثر ضعفاً كالأطفال و المراهقين.
و كما واجه العالم في الماضي بصرامة و إصرار أنواعاً سابقة من العنف كالعنف الأسري فإن المطلوب اليوم هو تكاتف الجهود لوضع حد للإساءة والمضايقات عبر الانترنت و إدراك أن هذه المظاهر هي نتاج علل اجتماعية أعمق مرتبطة بالنظرة الدونية -لدى البعض- للنساء و عدم احترامهم لدور المرأة و مكانتها في المجتمع.