تجزئة الشبكة – تعزيز الأمن السيبراني في المؤسسات

أحد أبرز الاستراتيجيات لحماية المؤسسات هي تجزئة الشبكة (Network Segmentation)، التي تهدف إلى عزل المكونات الحساسة من الشبكة ومنع الوصول غير المصرّح به.

87 مشاهدة
6 دقائق
تجزئة الشبكة

في عالم تتسارع فيه التهديدات الرقمية، يتوجب على المؤسسات تبنّي استراتيجيات فعالة لحماية بنيتها التحتية الرقمية. أحد أبرز هذه الاستراتيجيات هي تجزئة الشبكة (Network Segmentation)، التي تهدف إلى عزل المكونات الحساسة من الشبكة ومنع الوصول غير المصرّح به. في هذه المقالة، نستعرض مفهوم الدفاع في العمق (Defense in Depth)، وأشكال التجزئة المادية والافتراضية والهجينة، ودور كل منها في تعزيز أمن الشبكة.

الدفاع في العمق: حماية متعددة الطبقات

على الرغم من اعتباره غالباً منهجية تقليدية، إلا أن الدفاع في العمق، لا يزال حيوياً في الأمن السيبراني الحديث. الفكرة بسيطة لكنها فعّالة: تطبيق طبقات حماية متعددة، كل منها مُزوّدة بضوابط أمنية خاصة بها. لا تقتصر فائدة هذه الطبقات على تأخير الهجوم فحسب، بل تشمل أيضاً توفير التنبيهات والتخفيف من حدة التهديدات في مراحل مبكرة من سلسلة الهجوم. ولتلبية متطلبات الأمن الحالية، يجب على المؤسسات تجاوز الطبقة المادية ومعالجة نقاط الدخول عبر البنية التحتية، والبيانات أثناء النقل، ونقاط النهاية.

حماية البنية التحتية والخدمات

تعتمد إنتاجية المؤسسة على توافر الخدمات الأساسية. بدءاً من قواعد البيانات المحلية ووصولاً إلى الأجهزة الافتراضية المستضافة على السحابة، يجب تعزيز كل خدمة ضد الثغرات الأمنية. تُشكل ضوابط الأمان، مثل إدارة التصحيحات، وتطبيق السياسات، والنسخ الاحتياطي، وعزل الشبكة، خط الدفاع الأول. وبالتالي فإن حماية الخدمات الحيوية—مثل قواعد البيانات والخوادم—تبدأ من:

  • إدارة التحديثات الأمنية
  • حماية الخوادم عبر السياسات
  • العزل الشبكي
  • النسخ الاحتياطية

في السيناريوهات التي تتضمن الموارد السحابية، يجب إعادة النظر في نمذجة التهديدات لمراعاة نقاط الدخول الجديدة وتكييف استراتيجيات الحماية وفقاً لذلك.

حماية البيانات أثناء النقل

تكون البيانات أكثر عرضة للخطر عند نقلها. ويُعد تشفير المعلومات أثناء النقل – سواء عبر الشبكات العامة أو الداخلية – إجراءاً دفاعياً بالغ الأهمية. يشمل ذلك استخدام بروتوكولي IPSec وTLS، بالإضافة إلى التشفير في حالة السكون (التخزين) بمجرد وصول البيانات إلى وجهتها. ينبغي أن تُكمّل أدوات المراقبة والتحكم في الوصول التشفير للحفاظ على حماية قوية.

تأمين أجهزة النهاية (End points)

تشمل التدابير الأمنية:

  • عزل بيانات وتطبيقات العمل
  • استخدام TPM
  • تعزيز أنظمة التشغيل
  • تشفير القرص بالكامل

كما تتطلب بيئات “أحضر جهازك الخاص” (BYOD) اهتماماً خاصاً من خلال سياسات مستقلة عن الموردين وتطبيق معايير الامتثال.

تجزئة الشبكة فيزيائياً

تتضمن التجزئة المادية تقسيم الشبكة إلى أجزاء أصغر ومعزولة، غالباً باستخدام شبكات VLAN. يُعد ذلك مفيداً بشكل خاص في فصل موارد الإدارات مثل المالية والموارد البشرية والعمليات. تقلل التجزئة من نقاط الضعف الممكن استغلالها، وتُحسّن الأداء، ولكنها قد تُسبب تعقيداً في الاتصالات بين شبكات VLAN. ومن الممارسات المثلى بهذا الخصوص:

  • تقييد الوصول عبر قوائم التحكم ACL
  • استخدام ميزات الأمان مثل Port Security
  • تعطيل المنافذ غير المستخدمة
  • تحديث البرامج الثابتة للموجهات والمفاتيح

تساعد أدوات مثل محولات Cisco Catalyst وميزات الأمان على مستوى المنفذ (port) في فرض قواعد الوصول ومنع هجمات مثل إغراق عناوين MAC أو انتحال DHCP. كما يجب اعتماد التحديثات الدورية للبرامج وفرض قيود على الوصول إلى واجهات الإدارة. وإضافة لما سبق، يُعد فهم بنية الشبكة الحالية أمراً أساسياً قبل تطبيق تجزئة الشبكة. توفر أدوات مثل SolarWinds Network Performance Monitor مخطط دقيق ورؤية للمسارات الحرجة، مما يساعد فرق Blue Teams على التخطيط الفعال لاستراتيجية التجزئة الخاصة بهم.

حماية الوصول عن بُعد

مع تزايد انتشار العمل عن بُعد، أصبحت حماية هذا النموذج أمراً لا غنى عنه. يجب أن يحقق نظام التحكم في الوصول إلى الشبكة (NAC) مما يلي:

  • استخدام NAC (التحكم في الوصول إلى الشبكة)
  • التحقق من التحديثات، والحماية، وجدار الحماية في الجهاز البعيد
  • عزل المستخدمين البعيدين عبر VLANs خاصة
  • إنشاء شبكة معزولة (quarantine networks) للأجهزة غير المتوافقة

أما بالنسبة للاتصال الآمن بين الفروع، استخدم Site-to-Site VPN. ضع قواعد محددة للوصول وفق مبدأ “الحد الأدنى من الامتيازات- least privilege”و لا تمنح حق الوصول الكامل، بل فقط إلى الموارد المطلوبة.

تجزئة الشبكة افتراضياً

في البيئات الافتراضية، تتم إدارة عزل حركة المرور على مستوى المحول الافتراضي (virtual switch). يمكن للأجهزة الافتراضية داخل الشبكة الافتراضية نفسها التواصل بحرية، بينما يتطلب الاتصال عبر الشبكات جهاز توجيه افتراضي. ومن المهم اتباع الممارسات التالية في البيئات الافتراضية مثل Hyper-V:

  • استخدم مفاتيح افتراضية لعزل حركة المرور
  • عيّن موجهات داخلية (VMs) لعبور الشبكات
  • فعّل خصائص مثل:
    • منع انتحال MAC
    • حماية DHCP
    • حماية التوجيه
    • ACL على مستوى المنافذ

أمان الشبكة السحابية الهجينة

مع تزايد اعتماد المؤسسات على نماذج السحابة الهجينة، يجب أن يتطور الأمان. يمكن لأدوات مثل Azure Security Center تقييم التكوينات وإعطاء توصيات حول التحسينات المقترحة، مثل تقييد الوصول إلى نقاط النهاية المتصلة بالانترنت. كما تساعد شبكات VPN من موقع إلى موقع وخدمات مثل Azure ExpressRoute على عزل وتأمين قطاعات السحابة. بغض النظر عن الطريقة، فإن فهم ميزات أمان الشبكة لدى مزود الخدمة السحابية والاستفادة منها أمر ضروري للحفاظ على الحماية الشاملة. أي أنه مع التوسع السريع في استخدام الحوسبة السحابية:

  • استخدم أدوات مثل Azure Security Center لتقييم أمان الشبكة
  • فعّل الاتصال عبر VPN أو Azure ExpressRoute
  • تأكد من عزل الموارد السحابية عن الشبكة الداخلية حسب الحاجة

كلمة أخيرة

تجزئة الشبكة ليس مجرد خيار، بل ضرورة أمنية. سواء كانت الشبكة محلية، افتراضية، أو هجينة—فإن التجزئة الصحيحة تُقلل من المخاطر وتزيد من السيطرة. وباستخدام نهج الدفاع في العمق، يمكنك تعزيز موقفك الأمني بشكل كبير.

شارك المقال
اضف تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *