إن تطور الحوسبة الكمومية الذي يعتبر خبراً مفرحاً للكثيرين يحمل تداعيات عميقة على الأمن السيبراني. مع تطور أجهزة الكمبيوتر الكمومية تزداد الخطورة على الموقف الأمني للمؤسسات. لكن و بمقاربة أكثر تفاؤلاً فإنه يمكن أن تحمل تكنولوجيا الكم نتائج واعدة على الأمن السيبراني بحيث يتحول التهديد إلى حل و المحنة إلى فرصة. تراقب قطة شرودنغر الأمن السيبراني و ربما تهدده بمخلب الحوسبة الكمومية فهل يقلم تشفير ما بعد الكم أظافر ذلك المخلب؟. يعرض روبودين في هذا المقال للعلاقة المعقدة بين الأمن السيبراني و الحوسبة الكمومية بما يتسق مع جهود روبودين لتعزيز معرفة القارئ العربي بالاتجاهات الحالية في الأمن السيبراني.
التحول الرقمي
لقد أدى النمو السريع للانترنت إلى عصر المعلومات الذي نعرفه اليوم. يستطيع الناس استخدام الإنترنت والفضاء الإلكتروني للتواصل والألعاب والاجتماعات. ولكن و مع كل محاسن الانترنت إلا أنها أكبر منصة لامركزية في العالم. تعد مشكلات مثل فيروسات الكمبيوتر والقرصنة والغزو من قبل البرامج الضارة أكبر تهديد لأمن المعلومات.
أدى تقدم الرقمنة في جميع جوانب الحياة لزيادة هائلة في البيانات المخزنة. و بسبب حساسية تلك المعلومات كان من الضروري البحث في سبل حمايتها وضمان أمنها باستخدام التكنولوجيا . إن أي خلل في إجراءات الأمان قد يؤدي إلى وقوع تلك البيانات بأيدي مجرمي الانترنت أو تعرض الأنظمة المعلوماتية التي تديرها إلى الإصابة بالبرامج الضارة مما سيكون له عواقب على الدول و المؤسسات و الأفراد. لذلك، لا غنى عن الأمن السيبراني في حماية التحول الرقمي. مع كل ما يبذل في هذا المجال، إلا أن خروقات الأمن السيبراني في ازدياد. لذلك، يجهد المدافعون السيبرانيون لحماية الموارد الرقمية من مجرمي الانترنت باستخدام التقنيات المتاحة في مجال الأمن السيبراني، التشفير ، تقنيات الذكاء الاصطناعي ، الحوسبة الكمومية و Blockchain .
تطور الحوسبة الكمومية
يمكننا وصف الحوسبة الكمومية بأنها مجال ناشئ يتبنى مفاهيم ميكانيكا الكم ويتقاطع مع علوم أخرى كالرياضيات والفيزياء والكمبيوتر . توفر هذه التكنولوجيا الجديدة الفرصة للتعامل مع المحدودية التي نواجهها أحياناً في الحوسبة التقليدية. لكن، للأسف فقد تتيح الحوسبة الكمومية فرصة أيضاً لمجرمي الانترنت للمضي قدماً في مخططاتهم الشريرة.
كان ظهور وتطور فيزياء الكم -لنتذكر Schrödinger’s cat -أحد أكثر التهديدات غير المتوقعة للأمن السيبراني. تطورت الحوسبة الكمومية كثيراً عن شكلها حين بداياتها في ثمانينات القرن الماضي تقريباً، لكن الأمن السيبراني لم يجاريها في هذا التطور. إذا تطورت الحوسبة الكمومية للمستوى المنشود، فإن أغلب مفاهيم الأمن السيبراني التي نعرفها اليوم ستصبح من الماضي. إن أقرب مثال لذلك هو مفهوم التشفير الذي يعتبر جوهرة التاج في مملكة الأمن السيبراني. لدى الحوسبة الكمومية قدرات تمكنها من كسر معظم خوارزميات التشفير الحديث.
الحوسبة الكمومية والتشفير
من الواضح بعد المقدمة السابقة أن المطلوب هو التركيز على أنظمة التشفير ما بعد الكم . من المهم تعزيز تشفير المفتاح العام والتوقيع الرقمي لـ blockchain. بالرغم من مرونتها في مواجهة التهديدات الكمومية ، القائمة على المتغيرات المتعددة يعتمد نظام التشفير على تعقيد النظام من خلال حل معادلات متعددة المتغيرات. رعت NIST جهداً علمياً على مستوى العالم أدى للوصول لعدد من خوارزميات تشفير ما بعد الكم. كذلك يمثل التوقيع الرقمي القائم على استخدام أكواد تصحيح الأخطاء فرصة لمصممي التشفير للقفز فوق أفخاخ تحليل الشفرات الذي يستخدم الحوسبة الكمومية.
KeyShield
على الرغم من أن التشفير فعال في حماية المعلومات ، إلا أنه يعتمد بشكل حاسم على أمان مفتاح التشفير الخاص و لذلك قد يؤدي ضعف إدارة المفاتيح إلى تعريض أي تشفير قوي للخطر. لذلك تم اقتراح KeyShield ، وهو نظام إدارة مفاتيح قابل للتطوير وآمن كمياً. يوفر KeyShield أعلى مستوى أمان -حتى الأن- لأنه يعتمد على استحالة إيجاد حل فريد لـنظام معادلات خطي غير محدد و هو بذلك يُعتبر نظام تشفير مقاوم للكم.
الحوسبة الكمومية وانترنت الأشياء
تمثل أجهزة انترنت الأشياء هدفاً تقليدياًُ لمجرمي الانترنت. لذلك لاحظ الخبراء أهمية تطوير التقنيات المتعلقة بالأمن في انترنت الأشياء في مرحلة ما بعد الكم و كذلك بتقاطع نلك التقنيات مع شبكات الجيل الخامس التي يفترض أن تكون خطوة هامة في طريق تعزيز الأمن السيبراني و خصوصاً أنها تشكل أحد حوامل انترنت الأشياء. الهدف من كل هذا الجهد هو عكس ركائز أمن المعلومات على انترنت الأشياء بما في ذلك السرية والمصادقة والنزاهة لحماية ذلك النظام من البرامج الضارة وأي هجمات سيبرانية مشابهة.
الانتقال من الدفاع إلى الهجوم
لا يستثمر مجرمو الانترنت الوقت بتطوير أوراق بحثية تساعدهم على تطوير هجماتهم في عالم ما بعد الكم و لكنهم يطلعون على آخر الأبحاث و النتائج في هذا المجال عبر سرقتها من شركات ومؤسسات وأبحاث الحوسبة الكمومية. قد تصبح المجموعات أهدافاً لمجرمي الإنترنت ونشطاء القرصنة. خصوصاً و أن الباحثين أصبح لديهم تصوراً متكاملاً عن نواقل الهجوم attack vector لأنظمة الحوسبة الكمومية وما يرتبط بها من تدابير دفاعية والتخفيف وأفضل الممارسات للدفاع ضد التهديدات. و كذلك قدموا توصيات بكيفية تقليل الهجوم السيبراني من خلال ضمان الأمن عبر توظيف الحوسبة الكمومية في ذلك.
تعلم الحوسبة الكمومية
من الواضح أن المؤسسات ستواجه نقصاً في المختصين بالحوسبة الكمومية و هو ما سينعكس على موقفها الأمني مستقبلاً. لذلك هناك مبادرات متعددة لتحفيز طلاب الجامعات على دراسة الحوسبة الكمومية والأمن السيبراني. لكن يبدو أن الطلاب لا يريدون ذلك. لأن دراسة الحوسبة الكمومية بحاجة إلى فهم الفيزياء والرياضيات وعلوم الكمبيوتر و هو ما يعزف عنه الطلاب.
ميزات الحوسبة الكمومية
مع مخاطر الحوسبة الكمومية و التهديد الذي يجلبه على . أنظمة التشفير إلا أنه يحمل ميزات هامة للأمن أيضاً و منها:
- تفوق سرعة المعالجات الكمومية على مثيلاتها التقليدية و يعود الفضل بذلك للـ qubit ثنائي الحالة، و هو الوحدة الأساسية للمعلومات الكمومية.
- و كذلك يوفر النقل الآني الكمي Quantum teleportation طريقة لنقل المعلومات بطريقة آمنة و أكثر سرعة من طرق نقل المعلومات التقليدية.
- التشفير ما بعد الكمي يجعل من المستحيل الحصول على البيانات وهو أكثر فائدة من التشفير التقليدي.
كلمة أخيرة
يمكننا مما سبق التعرف على أهمية استخدام الحوسبة الكمية لمواجهة تهديدات الأمن السيبراني. ولذلك فإن جميع المعنيين بالأمن السيبراني مدعوين للبحث عما يستجد في هذا المجال الناشئ نسبياً. يوفر روبودين أحد قنوات المعرفة بهذا المجال للمساعدة على فهم معالم المستقبل لممارسي الأمن السيبراني.