ينتظر ملايين الأشخاص حول العالم بفارغ الصبر انطلاق دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024 في السادس والعشرين من هذا الشهر. ونظراً لحجم الجمهور المتوقع حضوره والمشاركة الدولية، فإن الأمن السيبراني يقع في قلب هذا الحدث العالمي. سيتابع الملايين هذه الألعاب مباشرة إضافة لمليارات من مشاهدي التلفزيون. تمتد المنافسات على مدى تسعة عشر يوماً وبمشاركة عشرة ألاف رياضي في باريس، و 16 مدينة أخرى في فرنسا. لذلك، فالحماية السيبرانية تعتبر أمراً جوهرياً.
تمثل الألعاب الأولمبية، مخاطر كبيرة على الأمن السيبراني للرياضيين والمنظمين والمشاهدين، سواءاً بشكل افتراضي أو شخصياً. توفر الأحداث الرياضية رفيعة المستوى مثل الألعاب الأولمبية فرصاً للمهاجمين السيبرانيين بسبب حجم الأصول المتصلة بالانترنت وزيادة التعاملات الرقمية. تمثل الحشود الكبيرة والتغطية الإعلامية الواسعة والبنية التحتية الحيوية هدفاً جذاباً للجهات الفاعلة للتهديدات. تسعى تلك الجهات إلى تعطيل العمليات أو سرقة البيانات الحساسة أو التسبب في فوضى واسعة النطاق. ولا تقتصر هذه التهديدات على أولئك الذين يحضرون الألعاب شخصياً. توفر مثل هذه الأحداث فرصاً للمحتالين لشن هجمات تصيد احتيالي ضد الضحايا المهتمين بالحدث.
مخاطر الأمن السيبراني
يستعد منظمو دورة باريس 2024 لمواجهة تحدي غير مسبوق فيما يتعلق بالأمن السيبراني. ويسعون للحد من تأثير الهجمات المحتملة عبر إجراءات وقائية تهدف لمنح المدافعين السيبرانيين أفضلية نسبية على المهاجمين. ولأننا نعيش في عالم مترابط، فإن فرنسا لاتعمل منفردة في هذا الموضوع. ولكنها تتعاون مع دول تقدم لها المساعدة في صد الهجمات الإلكترونية على أولمبياد باريس. تشمل المساعدة تبادل المعلومات والدعم السيبراني المباشر، وهي الجهود التي تكتسب أهمية متزايدة بوماً بعد يوم.
بشكل عام، تعتبر معدلات الجريمة في باريس منخفضة مقارنة ببعض العواصم الأوربية. لكن يتوقع مسؤولو الأمن تزايداً في العمليات التخريبية والهجمات ذات الدوافع المالية والسرقات خلال الألعاب. أما من ناحية المخاطر السيبرانية فالوضع أكثر تعقيداً. ستكون دورة الألعاب – باريس 2024 الأكثر اتصالاً على الإطلاق بالمعني التقني. بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر الأنظمة الداخلية، والأنظمة المالية، التكنولوجيا الرياضية، وتكنولوجيا البث، والترويج وحجز التذاكر. وبينما تكون المخاطر أعلى بشكل واضح بالنسبة للأماكن والأصول المستخدمة مباشرة للألعاب، فإنها تمتد لتعرض أصولاً أكثر للهجوم. بما في ذلك البنية التحتية الحيوية والعديد من الشركات الفرنسية والأوربية عموماً.
الألعاب الأولمبية في مواجهة مجرمي الانترنت
عادة، يستفيد مجرمو الانترنت من الأحداث الرياضية العالمية مثل الألعاب الأولمبية لصياغة تهديدات مستهدفة جديدة للشركات والمواطنين. ينطلق ذلك من معرفتهم أن ضحاياهم المحتملين سيكون أقل حذراً لتركيزهم على الألعاب مما يتركهم عرضة أكثر لهجمات الهندسة الاجتماعية. وبالتالي، فإنه من المتوقع رؤية مستوى غير مسبوق من التهديدات خلال دورة الألعاب. إنها تهديدات تغذيها مجموعة متنوعة من الدوافع المالية والسياسية. ولحسن الحظ، تعمل العديد من المنظمات في فرنسا على تسريع تعزيز وضع الأمن السيبراني الخاص بها قبل الألعاب. على التوازي، تعمل اللجنة المنظمة المحلية مع مجموعة من شركات الأمن السيبراني ذات المهارات العالية للتخفيف من المخاطر التي تهدد الألعاب نفسها.
ويمكننا أن تلاحظ في هذه الدورة أثر الذكاء الاصطناعي إن كان باعتباره ناقلاً للهجوم أو باستخدامه في الدفاع ضد الجهات الفاعلة السيئة المتوقعة، والتي تشمل دولاً، ومنظمات إجرامية سيبرانية وأفراداً ينفذون هجمات سيبرانية لحسابهم الشخصي. ومن جهة أخرى، تمثل دورة الألعاب في باريس مختبراً كبيراً بالنسبة لمنظمي الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2028 في الولايات المتحدة. وبهذا الصدد، هناك إعداد وتعاون وتبادل المعلومات بين الشركات والمنظمات على كافة المستويات لاستخلاص الدروس والعبر و التعلم منها، ويشكل الأمن السيبراني جزءاً هاماً من هذا الجهد.
الحماية من التهديدات السيبرانية
التصيد الاحتيالي – استغلال الألعاب الأولمبية
لقد استخدم مجرمو الانترنت عمليات التصيد الاحتيالي لسرقة المعلومات الشخصية من خلال رسائل البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية التي تحتوي على روابط أو مرفقات ضارة. خلال الألعاب الأولمبية، قد تظهر عمليات الاحتيال هذه وكأنها من منظمات أولمبية رسمية أو جهات راعية أو مصادر إخبارية مشروعة. سيتم إغراء المستلمين بوعود الوصول الحصري إلى تذاكر المباريات أو البث المباشر المجاني أو الفوز بالجوائز أو عمليات التحقق العاجل من الحساب. لكن، ستؤدي الروابط إلى مواقع ويب مزيفة مصممة لسرقة المعلومات الشخصية والمالية أو يمكن أن تحتوي على مرفق يقوم بتنزيل برامج ضارة على جهاز المستخدم.
مخاطر الذكاء الاصطناعي
بفضل التقنيات المتطورة بشكل متزايد، بما في ذلك الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي، أصبح مجرمو الانترنت قادرين على صياغة حملات أقرب للحقيقة للإيقاع بالمستخدمين. لتجنب الوقوع ضحية لهجوم التصيد الاحتيالي، من المهم اتباع أفضل ممارسات الأمن السيبراني. لا تفتح المرفقات أو تنقر على روابط من مصادر غير معروفة. تحقق من المصدر الذي يطلب منك أي معلومات وتحقق من جميع الروابط التي تتلقاها. يستخدم المحتالون أيضاً الهندسة الاجتماعية للتلاعب بالمستخدمين من خلال توظيف المعلومات التي يجدوها عبر الانترنت لخداع الأشخاص لإرسال الأموال إليهم أو الكشف عن معلومات حساسة. انتبه للجهات الفاعلة السيئة التي تحاول انتحال شخصية صديق أو أحد أفراد العائلة في حاجة ماسة إلى المال لشراء التذاكر -مثلاً-.
حماية الحسابات
عند إنشاء حسابات لبث الألعاب أو متابعة تحديثات الأخبار ، قد يكون من المغري إعادة استخدام كلمات المرور التي يسهل تذكرها. تأكد من أنك تستخدم كلمات مرور فريدة وعالية القوة لجميع حساباتك. وبهذه الطريقة، إذا تم اختراق حساب واحد، فلن يتمكن مجرمو الانترنت من الوصول إلى بقية الحسابات. يجب أن تتكون كلمات المرور من 16 محرفاً على الأقل مع مزيج من الأحرف الكبيرة والصغيرة ومجموعة متنوعة من الأحرف الخاصة ومجموعة عشوائية من الأرقام. تجنب استخدام المعلومات التي يسهل تخمينها مثل تواريخ ميلادك وعنوانك. يعد مدير كلمات المرور أمراً هاماً يساعد على إنشاء كلمات مرور قوية وتخزينها بشكل آمن. يوفر تنفيذ المصادقة متعددة العوامل لحساباتك طبقة إضافية من الأمان تحميك من معظم الانتهاكات.
الألعاب الأولمبية – البث المجاني
عندما يتعلق الأمر بالبث المجاني، فكر مرتين. غالباً ما يلجأ محبو الألعاب والمشجعون الذين يحاولون الاستمتاع بالألعاب إلى الانترنت بحثاً عن مواقع توفر بث مجاني مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى مخاطر أمنية. على الرغم من وجود مواقع ويب وتطبيقات مرخصة لبث الألعاب الأولمبية مجاناً، فإن مواقع الويب التي تستضيف عمليات بث غير قانونية قد تستضيف أيضاً إعلانات لمحتوى مشكوك فيه وتحتوي على روابط خبيثة يمكنها تثبيت برامج ضارة على جهازك.
بيع التذاكر المزيفة
ينبغي على المشجعين الذين يسعون لحضور المباريات أن يتجنبوا التذاكر المزيفة. سينشئ المحتالون مواقع ويب مقنعة تحاكي منصات التذاكر الرسمية، وتقدم مقاعد غير موجودة و عروضاً مبالغ فيها إلى حد كبير. لذلك، لا تشتري التذاكر إلا من البائعين الموثوقين الذين يقدمون نظام دفع آمن وإمكانية استعادة المدفوعات في حالة عدم وصول التذاكر. تعد الألعاب الأولمبية أيضاً فرصة يتطلع فيها بعض المشجعين إلى كسب المال في الألعاب، ويكون المحتالون على استعداد لاستغلال هذه الفرصة. قد يعدون الفائزين بجوائز كبيرة، لكن بمجرد تحصيل رسوم الاشتراك أو المعلومات الشخصية الخاصة بك، يختفون ولا يحصل الفائزون على جائزتهم أبداً.
شبكات WiFi العامة
تجنب استخدام شبكات WiFi العامة ومحطات شحن الجوالات. تعد شبكات WiFi العامة ساحة مفضلة لمجرمي الإنترنت ولا ينبغي استخدامها مطلقاً لتبادل أي معلومات شخصية أو مالية أو غيرها من المعلومات الحساسة. أحد أبرز التهديدات السيبرانية المتعلقة بشبكات WiFi العامة هو هجوم الرجل في المنتصف (MITM). يمكن لأي شخص الاتصال بشبكة WiFi عامة. لذلك، ليس لديك أي فكرة عمن يراقب بياناتك عبر أو يعترضها. أما محطات شحن USB العامة فهي أيضاً خطراً ينبغي تجنبه. يمكن لمجرمي الانترنت تحميل برامج ضارة عبر محطات الشحن تلك، للوصول إلى جهازك.
كلمة أخيرة
يبحث مجرمو الانترنت دائماً عن طرق جديدة ومبتكرة لاستهداف ضحاياهم، خاصة خلال الأحداث الرياضية البارزة مثل الألعاب الأولمبية. من خلال الحفاظ على حذرهم ضد هذه التهديدات واتباع أفضل ممارسات الأمن السيبراني، سيكون عشاق الرياضة أقل عرضة للوقوع ضحية للجرائم السيبرانية.