يتطور العالم الرقمي بسرعة مع زيادة اعتمادنا على التكنولوجيا. لكن الهجمات السيبرانية، وتسريبات البيانات، ونقاط الضعف، عقدت المشهد الرقمي و زادت مخاوفنا. وبالتالي، فالسؤال: هل نحن حقاً نتكيف مع هذه التغيرات السريعة أم أننا فقط نتابع الوضع الراهن بنظرة تقليدية قاصرة عن الإحاطة بما يجري؟ هل مازالت مفاهيم السرية، النزاهة والتوفر (CIA) صالحة في هذا العصر، وهل تكفي لضبط المخاطر؟
إن مبادئ الأمن السيبراني ترتكز فقط على السرية،النزاهة والتوافر ولكنها لا تمتد لمفهوم الثقة الرقمية. إن إعادة تعريف هذه المبادئ لتضيف الثقة، لن تساعدنا على امتلاك رؤية رقمية أكثر توازناً فحسب، بل سيساعد على سد الفجوة بين الأمن السيبراني والثقة الرقمية للانتقال إلى فضاء سيبراني أكثر أماناً. تتناول هذه المقالة الحاجة إلى إعادة تعريف الأمن السيبراني لإضافة مبدأ “الثقة الرقمية” إلى مثلث الـ CIA التقليدي.
المبادئ الأساسية لأمن المعلومات
يعد الأمن السيبراني موضوعاً مهماً للغاية. لعقود من الزمن، تعلمنا أن الأمن السيبراني يتكون بشكل أساسي من ثلاثة مبادئ تسمى “مثلث CIA” والتي تدعم الركائز التالية: السرية والنزاهة والتوافر.
- السرية: تعني أن البيانات تظل خاصة ولا يمكن الوصول إليها إلا لأولئك المصرح لهم بالاطلاع عليها.
- النزاهة: تركز على دقة البيانات والتأكد من عدم التلاعب بالبيانات. من جهة أخرى.
- التوفر: أن البيانات متاحة ويمكن الوصول إليها عند الحاجة إليها.
تشكل هذه الركائز الثلاث المبادئ التقليدية لأمن المعلومات (والأمن السيبراني). وعندما تم تعريفها، فإنها كانت تتناسب مع الغرض منه. في ذلك الوقت. كنا مهتمين بشكل رئيس بنظم المعلومات والبيانات والخدمات. ومع ذلك، فقد ازدا الطلب على الأمن السيبراني مع تطور التكنولوجيا. وفي حين أن مثلث الـ CIA مهم، إلا أنه ليس كافياً. في عالم اليوم الذي نشارك فيه البيانات ونتبادلها باستمرار، فإن هناك حاجة لإضافة مبدأ جديد إلى هذا المزيج ، ألا وهو الثقة. ولكن لماذا نحتاج إلى إعادة تعريف الأمن السيبراني ودمجه بالثقة؟
إعادة تعريف الأمن السيبراني
لم يعد الأمن السيبراني محصوراً فقط بين جدران إدارة تكنولوجيا المعلومات. في عالم اليوم مع التحولات الرقمية المتزايدة، نحن نعيش عهد جديد. إنه “العصر الرقمي” الذي تغذيه الأجهزة الذكية والذكاء الاصطناعي والسحابة والأجهزة المحمولة. من الواضح أن حياتنا تعتمد على التكنولوجيا، وفي بعض الحالات، يجعلنا ذلك غير قادرين على أداء المهام الأساسية كبشر بمعزل عنها. اليوم، كل منظمة أعمال، بغض النظر عن الحجم أو الصناعة، معرضة لخطر الهجمات السيبرانية. هذا ليس توقعاً. إنه يحدث بالفعل.
هناك عدد من الأسباب وراء الحاجة إلى إعادة تعريف الأمن السيبراني.هناك مشهد التهديد الذي يتطور باستمرار. يعمل مجرمو الانترنت على تطوير طرق جديدة لاستغلال الثغرات الأمنية في الأنظمة والبرمجيات. وكذلك، أصبح العالم الرقمي مترابطاً على نحو متزايد. مع صعود الحوسبة السحابية، الأجهزة المحمولة وانترنت الأشياء فقد أصبح من السهل على المجرمين الوصول إلى البيانات الحساسة. ويضاف لما سبق، أن تكلفة اختراق البيانات آخذة في الارتفاع. ارتفع متوسط تكلفة اختراق البيانات بنسبة 60% في الخمس سنوات الماضية.
في حين أن الخطر الذي عرفناه من قبل كان يتعلق بأنظمة وخدمات المعلومات مع التركيز على الخسارة فيما يتعلق بالبيانات أو الخدمات أو التمويل، فقد نمت تلك المخاطر بشكل أكبر الآن. مع اعتماد الأجهزة الذكية والجديدة لتشمل أيضاً الخسائر في الأرواح البشرية.
ولسوء الحظ، لا يمكن معالجة هذا الأمر أو احتوائه ضمن المبادئ الثلاثة (السرية، النزاهة و التوافر). عندما نواجه واقعاً معقداً كهذا، ليس هناك سوى طريقة واحدة للخروج منه، وهي بناء الثقة في التفاعلات الرقمية.
الثقة الرقمية
في مفهوم البشر، تعتبر الثقة أساس أي علاقة ناجحة، ولا يختلف الأمر في مجال الأمن السيبراني عندما يتعلق الأمر بالتفاعلات بين الإنسان والحاسوب . عندما نثق في أنظمتنا وبياناتنا، فمن المرجح أن نستخدمها بأمان. ومن أجل إعادة تعريف الأمن السيبراني، نحتاج إلى التركيز على بناء الثقة.
على سبيل المثال، إنشاء أنظمة آمنة وموثوقة وشفافة وتثقيف المستخدمين بشأنها. إن مخاطر الأمن السيبراني وكيفية حماية المستخدمين لأنفسهم لن تؤدي إلى بناء الثقة فحسب، بل ستنقذ الأرواح أيضاً عبر التوعية بالمخاطر. ومن خلال التركيز على الثقة، يمكننا إنشاء بيئة إلكترونية أكثر أماناً ومرونة.
تماماً، كمثلث CIA التقليدي لأمن المعلومات، فإن الثقة الرقمية هي الأساس لأي أعمال رقمية حيث يساعد بناء الثقة في بيع واستهلاك الخدمات الرقمية والتفاعلات الرقمية الأخرى. تعتمد الثقة الرقمية على عوامل مثل الأمان والخصوصية والشفافية والمساءلة. يتم ذلك بالتكامل مع إدارة المخاطر بحيث يتم تنفيذها وقياسها في الوقت الفعلي، وفقاً للرؤى الواقعية المبنية على البيانات والتي ساعدتنا الأتمتة على التحقق من صحتها على أساس مستمر، لا يمكن أن تنتهي أهمية الثقة الرقمية في الأمن السيبراني.
أسس الثقة الرقمية
- الإدارة المتكاملة للمخاطر: تضمن الثقة الرقمية في إدارة المخاطر المتكاملة توفير رؤى متكاملة حول الوضع الأمني للمنظمة، وكيفية إدارتها للتهديدات والمخاطر الأمنية وجميع جوانب العمليات، بما في ذلك الأمن المادي وأمن المعلومات، بالإضافة إلى الأفراد.
- المراقبة المستمرة: عندما تصبح الثقة أولوية، فإن المراقبة المستمرة هي الطريقة الوحيدة لتتبع التقدم أو الفشل. ويتعلق ذلك بجمع الأصول الرقمية وتحليلها وتتبعها المستمر لتجنب الخروقات الأمنية.
- رؤى البيانات في الوقت الحقيقي: البيانات تبقى بيانات، ولكن توليد رؤى البيانات في الوقت الفعلي يحدث فرقاً. هذا البعد يضمن أن كل البيانات تأتي مباشرة من المصدر. في هذه الحالة، يتم عرضها في الوقت الحقيقي وضمان ألا توجد أطراف ثالثة تعبث بتدفق البيانات.
- حقائق تعتمد على البيانات: على عكس ثالوث CIA ، فإن مبدأ الثقة يشجع على استخدام الأساليب التحليلية المبنية على البيانات لتقديم تأكيدات حقيقية حول الأمن السيبراني. يمكن توفير هذا البعد باستخدام البيانات في الوقت الفعلي.
- الدفاع الاستباقي: إحدى الطرق لضمان تخفيف المخاطر الأمنية تتم من خلال التحليل التنبؤي وتأسيس نهج دفاعي استباقي. لقد أحدثت التهديدات السيبرانية الناشئة اضطراباً في المشهد الرقمي مما جعل الحلول الاستباقية وصفة ضرورية للثقة الرقمية.
كما رأينا أعلاه، أصبح مبدأ الثقة ذا أهمية متزايدة مع تزايد اعتمادنا على التكنولوجيا. في العقد الماضي، كان الأمن يركز بشكل أساسي على حماية المعلومات والأصول المالية. ومع ذلك، مع ازدياد انتشار التكنولوجيا في حياتنا، يجب أن يركز الأمن أيضاً على حماية الناس.
على سبيل المثال، يمكن استخدام الهجوم السيبراني للسيطرة على البنية التحتية الحيوية، مثل شبكات الطاقة أو أنظمة النقل. وقد يؤدي ذلك إلى خسائر في الأرواح أو أضرار في الممتلكات. وهذا يستدعي إطار عمل يضم السرية والنزاهة والتوافر والثقة. يوفر ذلك نهجاً أكثر شمولاً للأمن الإلكتروني.
خاتمة
يعد مثلث السرية والنزاهة والتوافر (CIA) نقطة انطلاق جيدة لتعريف الأمن السيبراني، ولكنه مجرد وجه واحد من العملة. من أجل التطور إلى عالم رقمي آمن في هذا العصر، هناك حاجة إلى تحويل التركيز من “الأمن السيبراني التقليدي” إلى “الثقة الرقمية”. لقد تحول ملف تعريف المخاطر من مجرد المعلومات والخسائر المالية إلى الخسائر في الأرواح أحياناً. يعني ذلك أنه لبناء الثقة في الاستهلاك والاستخدام المسؤول للتقنيات الناشئة فإن “الثقة الرقمية” يجب أن تصبح جزءاً أساسياً من تعريف للأمن السيبراني.