غالباً ما تدور النقاشات في عالم الأمن السيبراني حول Zero-Day Attack أو ما يعرف بالهجوم دون انتظار، أو ثغرات اليوم صفر. تلك الثغرات الغامضة التي لم تُكتشف من قبل وتبدو وكأنها تظهر من العدم. لكن، وكما يحذر أحد خبراء اختبار الاختراق، فالخطر الحقيقي لا يكمن في المجهول. بل في المعروف — أي الثغرات التي نعرفها جيداً ولكن نفشل في إصلاحها في الوقت المناسب. وبالتالي، تعتبر تلك الثغرات سبباً للغالبية العظمى من الهجمات السيبرانية الناجحة اليوم.
الخطر ليس ما نجهله بل ما نعرفه
لا تعتمد معظم الاختراقات على ثغرات اليوم صفر المعقدة. فالمهاجمون يفضلون استخدام الثغرات المعروفة والمعلنة مسبقاً. إنهم ينتظرون حتى تتأخر المؤسسات في تطبيق التصحيحات، ثم يضربون عندما يتاح لهم ذلك. ولذلك، عندما يُكشف عن ثغرة جديدة، فإن سباقاً محموماً سيبدأ بين فرق الأمن السيبراني التي تعمل على تحديد الأنظمة المتأثرة، واختبار التصحيحات، وتحديد فترات التوقف، وتطبيق الإصلاحات، وبين المهاجمين الذين يسعون لاستغلال الثغرة. وكلما طال هذا الوقت، ازداد الخطر.
ومما يزيد صعوبة عمل المدافعين، أن عملية التصحيح في بيئات تقنية ضخمة معقدة للغاية. فبعض الأنظمة لا يمكن إيقافها بسهولة، وهناك مخاوف من التوافق بين الإصدارات، وإجراءات إدارية صارمة للتغييرات، واعتماد على أنظمة قديمة. وعلى الضفة الأخرى، فالمهاجمون لا ينتظرون و هم غير معنيين بجدولة وقت مناسب للصيانة، إنهم فقط معنيين بتنفيذ الهجوم. في كثير من الأحيان، يكفي خطأ صغير لفتح الباب أمام المهاجمين. شبكة غير مقسمة بشكل جيد، أو جهاز غير محمي، أو طابعة منسية يمكن أن تصبح نقطة دخول. وبمجرد الدخول، يمكن للمهاجمين التحرك أفقياً نحو الأنظمة الحساسة — دون الحاجة إلى أي ثغرة جديدة.
ثغرات اليوم صفر – أمثلة واقعية
اختراق طابعة المستشفى: خلال أحد الاختبارات، دخل خبير اختبار اختراق إلى بهو مستشفى وربط جهازه بطابعة متصلة بالشبكة دون حماية. في لحظات، حصل على وصول داخلي. ومن هناك، سمح ضعف تجزئة الشبكة بالانتقال إلى الأنظمة الإدارية الحساسة. المشكلة لم تكن في ثغرة يوم الصفر، بل في سوء الممارسات الأمنية.
اختراق البريد الإلكتروني: في حادثة أخرى، استغل المهاجمون نظام التسويق بالبريد الإلكتروني في مؤسسة مالية واستبدلوا الروابط الأصلية بروابط خبيثة على صفحات SharePoint مزيفة. نقر الموظفون على الروابط، فتمت سرقة بيانات الدخول، ومن هناك تحرك المهاجمون داخل الشبكة. مرة أخرى، لم تكن هناك ثغرة جديدة، بل ضعف في إدارة الأنظمة المعروفة.
ثغرات اليوم صفر – تفوق المهاجمين
يحتاج المهاجم إلى النجاح مرة واحدة فقط، بينما يجب على المدافع أن ينجح في كل مرة. كل تأخير أو إهمال أو نظام غير مُحدّث يمنح المهاجمين فرصة إضافية. وخصوصاً أن عمليات إدارة الثغرات التقليدية تعتمد على المراجعة اليدوية وتذاكر الدعم والموافقات الطويلة وهي لم تعد قادرة على مجاراة سرعة الهجمات. فالدفاع الحديث يتطلب الأتمتة والذكاء لسد هذه الفجوة.
أتمتة التصحيح: مستقبل الدفاع السيبراني
يكمن المفتاح للتصدي لثغرات اليوم الواحد في السرعة والأتمتة. بدلاً من الاعتماد على الأولويات اليدوية والموافقات البطيئة، وبالتالي، يجب على المؤسسات أن:
- تؤتمت عمليات الفحص والتصحيح للثغرات منخفضة الخطورة.
- تستخدم خوارزميات أو ذكاءاً اصطناعياً لتحديد أولويات الإصلاح بناءاً على المخاطر الفعلية.
- تتحقق بشكل مستمر من أن التصحيحات المطبقة لا تزال فعالة ولم تتراجع مع مرور الوقت.
ينتقل هذا النهج بإدارة الثغرات من عملية بطيئة تعمل كرد فعل، إلى استراتيجية سريعة واستباقية. فالهدف هو تقليص وقت التصحيح من أسابيع إلى ساعات، مما يقلل بشكل كبير من فترة التعرض للخطر.
ثغرات اليوم صفر – خطة للعمل
ابدأ ببناء رؤية شاملة للبنية التقنية لديك. اعرف كل أصل، وكل جهاز، وكل تطبيق تديره. بعد ذلك:
- حدد الأولويات بذكاء. ليست كل الثغرات متساوية في الأهمية. ركّز على تلك التي لديها استغلالات نشطة أو التي تؤثر على الأنظمة الحساسة.
- طبّق الأتمتة في العمليات منخفضة الخطورة، واترك الأنظمة المعقدة للمراجعة البشرية.
- قسّم الشبكة بفعالية. فالتصميم الجيد للشبكة يقلل من الأضرار في حال تم اختراق أحد الأنظمة.
- تحقق باستمرار. حتى بعد التصحيح، تأكد من أن الإصلاحات فعالة وأن الإعدادات لم تتغير بمرور الوقت.
كل دقيقة تُختصر في عملية التصحيح تُقلل من فرص الاختراق.
كلمة أخيرة
قد تبدو ثغرات يوم الصفر مثيرة وتستحق العناوين الكبرى، لكنها نادراً ما تكون السبب وراء نجاح الهجمات السيبرانية. فالخطر الحقيقي يأتي من الثغرات المعروفة مسبقاً. تلك التي نعرفها ولكن لم نتصرف حيالها بسرعة كافية. الدرس واضح وبسيط: لا تركز على الاحتمالات النظرية بقدر ما تركز على الواقع العملي. استعن بالأتمتة، حدّد الأولويات، وطبّق التصحيحات بسرعة. فكل ساعة توفرها في التصحيح قد تمنع الاختراق القادم.


