تأسست OpenAI، وهي مؤسسة بحثية رائدة، في عام 2015 بهدف ضمان استفادة البشرية جمعاء من الذكاء الاصطناعي. بصفته الرئيس التنفيذي، لعب سام ألتمان دوراً جوهرياً في تشكيل استراتيجيات المنظمة وتوجيه نموها. لكن رحلة ألتمان في OpenAI، لم تخلو من الخلافات والتحديات وآخرها -أو ربما ليس الأخير- هو استقالته وعودته عن استقالته هذا الشهر.
سام ألتمان Sam Altman هو رجل أعمال معروف وأصبح الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI في عام 2019. اعتماداً على خلفيته الأكاديمية، شارك ألتمان في تأسيس تطبيق الشبكات الاجتماعية Loopt، وكذلك عمل لاحقاً كرئيس لشركة Y Combinator ، إلى أن انتهى به المطاف في OpenAI
OpenAI و سام ألتمان – رحلة طويلة
تأسست OpenAI في كانون الأول 2015. كان هدفها الأولي التأكد من أن الذكاء الاصطناعي العام (AGI) يفيد البشرية جمعاء. وبالتالي ركزت جهودها على إجراء الأبحاث وتطوير تكنولوجيا آمنة ومفيدة للذكاء الاصطناعي ومتوافرة للجمهور . تولى سام ألتمان منصب الرئيس التنفيذي في OpenAI، بعد انتقال إيلون ماسك، أحد مؤسسي المنظمة، إلى مجلس الإدارة.
جلب ألتمان خبرته في ريادة الأعمال ورؤيته لـ AGI لقيادة OpenAI إلى المرحلة التالية من النمو والتطور. حيث شرعت OpenAI في العديد من المبادرات الطموحة. كان أحد المشاريع المهمة هو قرار OpenAI بالتحول من منظمة غير ربحية إلى ربحية لجذب التمويل و الموارد اللازمة لمهمتها. بالإضافة إلى ذلك، قاد ألتمان الجهود الرامية إلى توسيع أبحاث OpenAI وإقامة التعاون مع المؤسسات الأخرى. كما وسعت OpenAI نطاق الأبحاث بشكل كبير للتعمق أكثر في الجوانب الأساسية للذكاء الاصطناعي. ركزت المنظمة على مجالات مثل التعلم المعزز، ونماذج اللغة، والروبوتات، بهدف توسيع قدرات الذكاء الاصطناعي. كذلك سعت OpenAI إلى التعاون والشراكات مع المنظمات والباحثين الآخرين بهدف الاستفادة من الخبرات من مختلف المجالات لتعزيز الذكاء الاصطناعي و تبادل المعرفة وتسريع التقدم في البحث العلمي.
سام ألتمان – خلافات و تحديات
واجهت Open AI تحت قيادة سام ألتمان، مخاوف تتعلق بالمعايير الأخلاقية وبالسلامة مع تقدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. حيث واجهت المنظمة أسئلة تتعلق بالمخاطر المحتملة والعدالة والشفافية. دفع ذلك إلى الحاجة إلى دراسة متأنية وتطوير السياسات. كما أثيرت المخاوف بشأن تركز السلطة في عملية تطوير الذكاء الاصطناعي، واحتمالية استخدامه كبديل للبشر في الوظائف، والآثار الاجتماعية الأوسع لهذا الذكاء. وبالتالي أصبح سام ألتمان و OpenAI جزءاً من هذه المناقشات المعقدة التي فرضت بذل الجهد لمعالجة المخاوف بفعالية. لكن ألتمان صرح مراراً أنه ملتزم بمهمة OpenAI المتمثلة في إنشاء تكنولوجيا ذكاء اصطناعي آمنة ومفيدة لتحسين البشرية.
تصاعد درامي
حتى الذكاء الاصطناعي كان سيواجه صعوبة في كتابة قصة تحتوي على العديد من التقلبات والتحولات مثل تلك التي تكشفت في OpenAI خلال هذا الشهر . في يوم الجمعة 17- تشرين الثاني، أقال مجلس الإدارة Sam Altman سام ألتمان ، الذي شارك في تأسيس الشركة في عام 2015 وشغل منصب الرئيس التنفيذي لها منذ عام 2019. وبعد خمسة أيام من التخبط في مجلس الإدارة، عاد ألتمان إلى دفة القيادة . فما الذي حدث؟
بدأت الشركة، المسؤولة عن تطوير ChatGPT ، كمؤسسة غير ربحية. على الرغم من أن هذه المهمة النبيلة كانت مثيرة للإعجاب، إلا أنها واجهت عقبة حيث أن التكاليق المطلوبة لإنجاز أهدافها بدأت تتجاوز ما يتم جمعه عبر التبرعات والداعمين.
تم ابتكار حل لهذه المشكلة في عام 2019 عندما تمت إعادة هيكلة المنظمة لتحويلها من شركة غير ربحية بحتة إلى شركة ذات “ربح محدد”. أدت عملية إعادة الهيكلة إلى إنشاء شركة فرعية جديدة تهدف إلى الربح، والتي ستكون مسؤولة عن زيادة رأس المال المطلوب لشركة OpenAI لمواصلة تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها.
ستظل هذه الشركة الفرعية الجديدة خاضعة لإدارة مجلس إدارة غير ربحي، والذي سيتحمل مسؤولية ضمان التزام OpenAI بمهمتها التأسيسية – لبناء ذكاء اصطناعي آمن ولصالح الجميع. وبالتالي، تم تقسيم مجلس الإدارة بالتساوي بين ستة من موظفي OpenAI بحيث يكونوا مسؤولين تجاه الإنسانية، وليس تجاه مستثمري OpenAI. وللتأكد من عدم ابتعاد الشركة عن مسار هذه المهمة، فإن هذا المجلس يحتفظ بسلطة عزل الرئيس التنفيذي.
طرد سام ألتمان
يوم الجمعة 17-تشرين الثاني، أخبر أربعة من أعضاء مجلس الإدارة ألتمان أنهم توصلوا إلى قرار بالأغلبية بفصله. كما تم إبلاغ العضو المتبقي في مجلس الإدارة، بأنه سيفقد منصبه في مجلس الإدارة ولكنه سيظل موظفاً في OpenAI. لم يكشف مجلس الإدارة بشكل كامل عن سبب التوصل إلى القرار، مشيراً فقط إلى أن ألتمان “لم يكن شفافاً بما يكفي و أنه لم يعد لدى مجلس الإدارة الثقة في قدرته على مواصلة قيادة OpenAI. كما تم اختيار مديرة التكنولوجيا في الشركة، لتتولى منصب الرئيس التنفيذي المؤقت.
على الرغم من أن السبب الحقيقي وراء إقالة ألتمان لا يزال غامضاً إلا أنه مرتبط على مايبدو بالمخاوف حول ممارسات السلامة في OpenAI. كذلك، كانت الجهود التي بذلها ألتمان للتسويق التجاري السريع لنماذج OpenAI سبباً إضافياً لما حدث.
تغذي هذه المخاوف صراعاً أوسع داخل مجتمع الذكاء الاصطناعي بين المتفائلين، الذين يعتقدون أن تطوير الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى تسريع، و”المحافظين”، الذين يشعرون بالقلق من سرعة التقدم ويخشون أن تشكل التكنولوجيا تهديداً وجودياً للبشرية. على التوازي، كان من المعروف أيضاً أن ألتمان يستكشف مشاريع بعيداً عن OpenAI بما في ذلك إنشاء جهاز ذكاء اصطناعي بالتعاون مع أحد كبار المصممين السابقين في Apple.
اللعب مع الكبار
على الفور، المستثمرون بما في ذلك مايكروسوفت، التي يقال إنها تمتلك حصة 49٪ في الشركة، دفعوا لإعادة ألتمان إلى منصبه كرئيس تنفيذي. لكن المناقشات وصلت بسرعة إلى طريق مسدود. بعدها بثلاث أيام، تم تعيين رئيس تنفيذي مؤقت جديد لشركة OpenAI ليصبح ثالث رئيس تنفيذي للشركة خلال عدة أيام. كانت آراء الرئيس الجديد تتوافق بشكل أوثق مع آراء مجلس الإدارة، وقد أعرب عن اعتقاده بأن تطوير الذكاء الاصطناعي يجب أن يتباطأ بنسبة تتراوح بين 10% و20% لكنه نفى بالمقابل أن إقالة سام ألتمان مرتبطة بأي خلاف محدد بشأن السلامة.
وفي الوقت نفسه تقريباً، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت أن موظفي OpenAI المقالين سينضمون إلى شركته لقيادة “فريق بحث متقدم للذكاء الاصطناعي”. ومع ذلك، تركت مايكرسوفت الباب مفتوحًا لعودة ألتمان إلى OpenAI.
كان ألتمان شخصية محبوبة داخل OpenAI وقرار مجلس الإدارة بإقالته دون إبداء توضيحات والسبب، أثار اضطراباً داخل صفوف الشركة. ولذلك ظهرت تقارير تفيد بأن “العشرات” من موظفي OpenAI قدموا استقالتهم احتجاجاً على ما جرى و تضامناً مع ألتمان. كما وقع أكثر من 500 موظف في OpenAI على خطاب مفتوح يهددون فيه بالاستقالة ما لم يستقل مجلس الإدارة. وجاء في الرسالة الموجهة للمجلس : “لقد أوضح سلوكك أنك لا تملك الكفاءة للإشراف على OpenAI” وخلاليوم واحد كان جميع موظفي الشركة البالغ عددهم 770 موظفاً تقريباً قد انضموا لهذا الاحتجاج .
سام ألتمان – عودة إلى العائلة
تمت إعادة ألتمان إلى منصبه كرئيس تنفيذي لشركة OpenAI. يعود ذلك لتصاعد الضغوط على مجلس الإدارة، وتهديد الموظفين بالاستقالة بشكل جماعي. بدا الأمر مجرد مسألة وقت قبل إعادة ألتمان إلى العائلة. بعد أربعة أيام توصلت الشركة إلى اتفاق أفضى لعودة ألتمان إلى منصب الرئيس التنفيذي، إلى جانب إعادة هيكلة مجلس الإدارة.
مع عودة ألتمان إلى منصبه كرئيس تنفيذي لشركة OpenAI ، قد يبدو أن كل هذه الاضطرابات لم تصل إلى أي شيء. ومع ذلك، فقد حدثت بعض التغييرات الرئيسية على مستوى مجلس الإدارة. كذلك أكدت مايكرسوفت أنها ستتابع عن ما يجري في OpenAI وأنها لا تريد المزيد من “المفاجآت”. إلى مجلس الإدارة في وقت لاحق.
كلمة أخيرة
بعد أيام عصيبة ، تأمل شركة OpenAI وموظفوها أن تكون هذه هي نهاية الدراما. ولكن -على طريقة باب الحارة- من الممكن أن يكون هناك جزء آخر لهذه القصة، في حين من المرجح أن تستمر التداعيات وتأثيرها على تقدم الذكاء العام الاصطناعي لبعض الوقت.