عندما نتسوق أو نتناول الطعام أو نسحب النقود، غالباً ما يتم عرض معلوماتنا الشخصية والمالية على شاشات لا نملك نحن كمستهلكين أي سيطرة عليها. وفي حين أن هذه الأنواع من التفاعلات شائعة، إلا أنها لا تزال تجعلنا نشعر بالقلق بشأن خصوصيتنا وأمننا المصرفي. لقد وضعت معايير صناعية مثل PCI-DSS تهدف إلى إيجاد توازن معقول بين مرونة الأعمال واحتياجات التجار (merchants ) وبين حماية بيانات المستهلك. لكن المسؤولية الأكبر بهذا الموضوع تقع على عاتق التجار ومزودي الأجهزة والبرامج. وبالتالي فالمطلوب منهم الاستثمار في مجالات مثل الأمن السيبراني وخصوصية البيانات والأمن الفيزيائي (المكاني). لحسن الحظ، فإن حماية خصوصية الخدمات المصرفية ليست هدراً للنقود ولكنها تعود بالفائدة على المستهلكين وكذلك على البنوك والتجار الذين يعالجون أو يتحكمون في البيانات المالية للعملاء.
أهمية خصوصية الخدمات المصرفية
تعزز حماية خصوصية البيانات الثقة والاطمئنان لدى العملاء، مما يحسن التجربة المصرفية الشاملة. عندما يثق العملاء في شركة ما، فمن المرجح أن يستمروا في شراء منتجاتها أو التعامل معها. في الواقع، فإن أغلب العملاء يجب أن يثقوا في العلامة التجارية كشرط لازم للاستمرار في شراء منتجاتها. كما أن اكتساب سمعة طيبة في احترام خصوصية العملاء يمكن أن يكون بمثابة ميزة تنافسية. يتيح ذلك تميز العلامة التجارية في السوق. كما يجذب حتى المستهلكين الحذرين الذين يعطون الأولوية لأمن البيانات في قرارات الشراء الخاصة بهم. يعد ذلك حجر الزاوية في بناء الولاء للعلامة التجارية وتوسيع فرص البيع مما قد يؤدي إلى زيادة الإيرادات.
في سياق تجربة البيع بالتجزئة، يمكن أن يؤدي ما سبق إلى زيادة رغبة العملاء في الحصول على بطاقة ائتمان. مما يضع مسؤوليات و تحديات أمنية هائلة على البنوك والتجار (merchants ). فقد اهتمت PCI DSS -مثلاً- بحماية معلومات حاملي البطاقات أينما تم تخزينها. وبالتالي، فرضت تأمين المستودعات التي تحتوي على بيانات ، مثل تواريخ الميلاد وأرقام الضمان الاجتماعي وأرقام الهواتف وعناوين البريد. ويجب تشفير بيانات حاملي البطاقات أثناء نقلها عبر الشبكات العامة.
تأثير مرحلة كورونا
اكتسب بناء ثقة العملاء من خلال تعزيز حماية خصوصية الخدمات المصرفية أهمية كبيرة في جميع أنواع المعاملات المالية. كنوع من الاستجابة لتداعيات فيروس كورونا ، كان هناك زيادة كبيرة في اعتماد أكشاك الخدمة الذاتية (kiosks ). كما انتشرت بكثافة أكبر أجهزة الصراف الآلي الغير تلامسية (NFC). ومن المتوقع أن يصل هذا السوق إلى أكثر من 63 مليار دولار بحلول عام 2027. و يفضل العملاء في أغلب الصناعات أكشاك الخدمة الذاتية التفاعلية. لكن هذه التغييرات لم تعالج مواضيع الخصوصية بشكل كلي. سواء كان مطعماً للوجبات السريعة أو أجهزة الصراف الآلي أو دار سينما، فقد يكون لدى العملاء عدد من الأسباب التي تجعلهم لا يريدون مشاركة نواياهم أو تفضيلاتهم أو مبالغ الإنفاق مع الآخرين الذين يصادف وجودهم في بيئتهم في نفس الوقت. يمكن أن يساعد الاستجابة لمخاوف خصوصية العملاء المصرفية في هذه اللحظات في تعزيز تجربة عملاء البنك وبناء علاقة مستدامة معهم.
مخاطر التعقب
في بعض الأماكن، قد يؤدي إطلاع أشخاص غير مرغوب بهم على المعلومات الشخصية للعملاء إلى تهديد مباشر لسلامتهم الشخصية. ربما نصادف مثل هذا الاحتمال في عمليات الصراف الآلي. ولكن مخاطرها تبقى أقل من مخاطر إطلاع المتطفلين على رقم غرفة الفندق أو مكان وقوف السيارات مما بجعل من السهل على المجرمين تحديد موقع العملاء أو تعقبهم. فكيف يمكن للتجار تجنب تعرض عملائهم لمثل هذه المخاطر؟ إنهم بحاجة إلى إيلاء المزيد من الاهتمام ليس فقط للمعلومات التي تتم مشاركتها على شاشات أكشاك الخدمة الذاتية (self-service kiosks) وأجهزة الصراف الآلي ولكن أيضاً عبر توفير تقنيات تحمي خصوصيتهم خلال تعاملهم مع الشاشات وتمنع اختلاس النظر لمعلوماتهم من الأشخاص في محيطهم.
اختراق البيانات – تهديد الخصوصية
يمكن أن يكون الاحتيال وسرقة المعلومات مدمرين للعملاء والتجار على حد سواء. بالنسبة للمستهلكين، يمكن أن يؤدي ذلك إلى خسارة مالية مباشرة، أو سرقة الهوية . وبالنسبة للبنوك والتجار، يمكن أن يؤدي ذلك إلى ضرر السمعة و الإساءة للعلامة التجارية أو حتى يؤدي إلى خسائر مالية مباشرة. تسبب سرقة الهوية وحدها في خسائر مليارات الدولارات حول العالم. مع الانتشار السريع للقرصنة السيبرانية، أصبح لزاماً على الشركات إعطاء الأولوية لتدابير الأمن التي تمنع الوصول غير المصرح به إلى معلومات العملاء الحساسة. في حين أن تنفيذ بروتوكولات التشفير القوية وتحديث أنظمة أمن البنوك بانتظام هي استراتيجيات رئيسة للمساعدة في إحباط الهجمات السيبرانية المحتملة وحماية بيانات العملاء، فهناك أيضاً تحسينات بسيطة للبيئة المادية يمكن أن يكون لها تأثير فوري على الخصوصية. يتضمن ذلك تركيب كاميرات أو استخدام ميزات عرض الخصوصية داخل شاشات أجهزة الصراف الآلي أو أكشاك الخدمة الذاتية نفسها للحد من التعرض المعلومات الحساسة للإطلاع غير المرغوب به.
خصوصية الخدمات المصرفية – الامتثال
بالإضافة إلى الفوائد التجارية لتحسن الخصوصية، تحتاج منظمات الأعمال أيضاً إلى الانتباه لمخاطر عدم الامتثال، خاصة إذا كان لهذه المنظمات انتشار عالمي. لقد أصبحت خصوصية البيانات حق أساسي للعملاء وموضوع مهم تضبطه الحوكمة. وبالتالي تدعم الشركات ثقافة الخصوصية وتعمل على تعزيزها بين موظفيها وعملائها ومورديها. ويركز الاتحاد الأوروبي -مثلاً-على جميع جوانب خصوصية المستهلك، عبر قوانين الخصوصية الإلكترونية بموجب اللائحة العامة لحماية البيانات. كما وحد مجلس المدفوعات الأوروبي تدابير حماية الخصوصية في بيئة البيع بالتجزئة.
بالإضافة إلى القواعد التنظيمية الواسعة النطاق المتعلقة بخصوصية المستهلك، فإن بعض الصناعات ــ مثل الرعاية الصحية ــ لديها معايير أكثر صرامة. على سبيل المثال، هناك الآلاف من الشاشات التي تعرض معلومات خاصة في كل مستشفى في العالم، من الشاشات التي تعرض بيانات المرضى إلى الشاشات على الأجهزة الطبية نفسها. وتنص قواعد HIPAA على ضرورة بذل “جهد معقول” لضمان سرية المريض. وقد يؤدي الفشل في الامتثال لأي من هذه القواعد إلى عقوبات مالية كبيرة وإلحاق الضرر بسمعة الشركة أو المستشفى.
و يمكن للشركات الرائدة في الاهتمام بالخصوصية أن تساعد في تحديد المعايير في صناعاتها وتحويل مفهوم الامتثال إلى عامل تمييز استراتيجي. وبعبارة أخرى، فإن المطلوب من الهيئات الناظمة للخصوصية أن تواكب التكنولوجيات المتاحة والناشئة، و أن تأخذ تجربة تلك الشركات بعين الاعتبار عند صياغة التشريعات أو المعايير الجديدة.
كلمة أخيرة
لا تعد حماية خصوصية العملاء أمراً ضرورياً من الناحية الأخلاقية فحسب، بل إنه مفيد أيضاً للعملاء والشركات. من خلال إعطاء الأولوية للخصوصية، يمكن للشركات تعزيز الثقة والولاء، وتحسين تجربة العملاء، وحمايتهم، والتخفيف من مخاطر اختراق البيانات، وضمان الامتثال مما ينعكس إيجاباً على الجميع و يمثل نموذج لعلاقة عمل مستدامة مربحة للشركة والعميل.