يوماً بعد يوم يتصدر الأمن السيبراني معظم استراتيجيات المؤسسات لأن التهديدات أصبحت أكثر تقدماً مع توفر أدوات وتقنيات استغلال أفضل للجهات الفاعلة في التهديد. وبسبب هذه التهديدات، تُنصح المنظمات بتطوير استراتيجيات تضمن حماية البنية التحتية السيبرانية الخاصة بها من المخاطر والتهديدات المختلفة. وبالتالي، استراتيجية الأمن السيبراني هي خطة شاملة مصممة لحماية أنظمة المعلومات والبيانات والشبكات الخاصة بالمؤسسة من التهديدات السيبرانية. وهي تتوافق مع الأهداف التجارية العامة وتضمن قدرة المؤسسة على إدارة المخاطر المرتبطة بالهجمات السيبرانية والتخفيف منها بشكل فعال. وتم تطوير الاستراتيجية في الغالب لتلبية احتياجات الأمن السيبراني للمؤسسة من خلال معالجة كيفية حماية البيانات والشبكات والأنظمة التقنية والأشخاص. تمنح الاستراتيجية السيبرانية المؤسسات قدرة على تجاوز مخاطر الأمن السيبراني عبر تغطية الوجهات المحتملة لأي هجوم من قبل الأطراف الخبيثة.
كيف نبني استراتيجية الأمن السيبراني؟
قال صن تزو: “إذا كنت تعرف أعداءك وتعرف نفسك، فستربح مائة معركة؛ إذا كنت لا تعرف أعداءك ولكنك تعرف نفسك، فسوف تخسر معركة مقابل كل معركة تفوزها. أما إذا كنت لا تعرف أعداءك ولا تعرف نفسك، فسوف تتعرض للخطر في كل معركة”. لا يزال هذا الاقتباس ينطبق حتى اليوم على استراتيجيات الأمن السيبراني. فكلما امتلكت فهماً أوسع لعملك والمخاطر التي تفرضها عليه الجهات الفاعلة في التهديد، سيمنحك ذلك أساساً لاستراتيجية سيبرانية قوية تساعد في حماية عملك من الهجمات. ولبناء استراتيجية سيبرانية، هناك ثلاثة ركائز رئيسة تحتاجها وهي:
- فهم الأعمال
- فهم التهديدات والمخاطر
- التوثيق الجيد
هذه المكونات الثلاثة ضرورية لفهم الأسس التي تجعل استراتيجية الأمن السيبراني فعّالة.
1 – فهم الأعمال
كلما زادت معرفتك بأعمالك، كلما كان بإمكانك تأمينها بشكل أفضل. من المهم حقاً معرفة: أهداف وأغراض مؤسستك، الأشخاص الذين تعمل معهم، الصناعة واتجاهاتها الحالية والمستقبلية، ومخاطر عملك، ورغبتك في المخاطرة، والأصول الأكثر قيمة. يعد جرد الأصول أمراً ضروريًاً لتحديد أولويات خطط الاستراتيجية بناءاً على المخاطر وتأثير الهجوم على هذه الأصول. يجب أن يكون كل ما نقوم به انعكاساً لمتطلبات العمل المعتمدة من قبل الإدارة العليا.
2 – فهم التهديدات والمخاطر
ليس من السهل تعريف المخاطر حيث تُستخدم كلمة “المخاطر” بطرق مختلفة عديدة. في حين أن هناك العديد من التعريفات للمصطلح، فإن ISO 31000 تعرف المخاطر على أنها “تأثير عدم اليقين على الأهداف” حيث يكون التأثير انحرافاً إيجابياً أو سلبياً عما هو متوقع. وتجمع كلمة المخاطر بين ثلاثة عناصر: حدث محتمل، احتمالية وقوعه وشدته المحتملة. وغالباً ما يتم احتساب المخاطر على النحو التالي: المخاطر (الخسارة المحتملة) = التهديد × الضعف × الأصول
من المهم أن نفهم أن التخفيف ليس دائماً خياراً متاحاً لكل المخاطر. على سبيل المثال، إذا كان التخفيف سيكلفك أكثر من وقوع الخطر ذاته، أو إذا لم يكن يشكل خطراً كبيراً، فيمكن قبول الخطر.
3 – التوثيق المناسب
يسمح التوثيق للجميع بامتلاك فهم موحد للعمليات في مؤسستك. إنه جانب أساسي من كل استراتيجية ويلعب دوراً بالغ الأهمية عندما يتعلق الأمر بضمان استمرارية الأعمال. سيضمن توثيق خطة الاستراتيجية السيبرانية الكفاءة والاتساق وراحة البال لجميع المعنيين. ومع ذلك، لا ينبغي التعامل مع التوثيق باعتباره نشاطاً لمرة واحدة، فحتى بعد تدوين خطة استراتيجية الأمن السيبراني، ستظل بحاجة إلى التحديث المستمر لتعكس التغييرات في مشهد الأمن السيبراني.
أنواع استراتيجيات الأمن السيبراني
تمثل استراتيجية الأمن السيبراني خطة لإدارة مخاطر الأمن في منظمة الأعمال وفقاً لمستوى تحمل المخاطر المسموح في الشركة، وذلك بقصد تلبية أهداف العمل والمنظمة. يجب أن تكون استراتيجية الأمن السيبراني متوافقة تماماً مع استراتيجية و محركات وأهداف العمل. بمجرد مواءمة ذلك، يمكنك بناء الجوانب الفنية واستراتيجية الأمن السيبراني لتكون أكثر أماناً.
قد تتخذ استراتيجيات الأمن السيبراني نهجين تجاه الأمن. الدفاع، أو الهجوم. في منظور الدفاع، تركز الاستراتيجية السيبرانية على إعلام أصحاب المصلحة باستراتيجيات الدفاع التي وضعتها المنظمة لحماية نفسها من التهديدات المحددة. من ناحية أخرى، قد تركز الاستراتيجيات الهجومية السيبرانية على إثبات فعالية قدرات الأمن الحالية من أجل العثور على العيوب وإصلاحها. لذلك، قد تغطي استراتيجيات منظور الهجوم على نطاق واسع الأساليب المختلفة التي سيتم استخدامها لاختبار استعداد المنظمة للهجوم. أخيراً، قد تكون بعض الاستراتيجيات مزيجاً من المنظورين، وتغطي اختبار وتعزيز آليات الدفاع الحالية. سيعتمد النهج المختار على الموارد المتاحة وأهداف العمل.
لماذا نحتاج إلى استراتيجية الأمن السيبراني
تتعامل المنظمات باستمرار مع التهديدات الصادرة عن مجرمي الانترنت. يضاف لذلك الهجمات و عمليات الاختراق التي تتم من قبل الدول و مجموعات الجريمة السيبرانية القوية. نعم، هناك منظومة اقتصادية سرية لأولئك المجرمين تسهل لهم شراء أو استئجار أدوات وتقنيات وأفراد الاختراق، فضلاً عن غسل العائدات النقدية من الهجمات الناجحة. علاوة على ذلك، غالباً ما يكون لدى المهاجمين خبرة فنية في الأمن السيبراني أكبر بكثير من أي موظف عادي في إدارات تكنولوجيا المعلومات. لذلك، يمكن للمهاجمين الاستفادة من خبرتهم المتقدمة لتجاوز العديد من أدوات الدفاع السيبراني التي أنشأتها أقسام تكنولوجيا المعلومات في العديد من المنظمات بسهولة.
ويستدعي ما سبق إعادة تعريف كيفية تعامل المنظمات مع التهديدات السيبرانية والجهات الفاعلة في التهديد، لأن ترك المهمة لقسم تكنولوجيا المعلومات ليس كافياً. في حين أن تقوية الأنظمة وتثبيت المزيد من أدوات الأمان كان ليعمل بشكل جيد قبل بضع سنوات، فإن المنظمات اليوم تحتاج إلى استراتيجية سيبرانية مدروسة جيداً لتوجيه نهج الدفاع السيبراني الخاص بها. فيما يلي بعض الأسباب التي تجعل الاستراتيجيات السيبرانية ضرورية:
رؤية أكثر تفصيلاً
تحدد الاستراتيجيات السيبرانية تكتيكات عالية المستوى لضمان أمن المنظمة. وتتطرق هذه التكتيكات إلى الاستجابة للحوادث وخطط التعافي من الكوارث واستمرارية الأعمال والاستجابات السلوكية للهجمات للمساعدة في طمأنة أصحاب المصلحة عبر منحهم رؤية كافية عن استعداد المنظمة للتعامل مع الهجمات السيبرانية.
الابتعاد غن الافتراضات المسبقة
تستند بعض آليات الدفاع عن الأمن السيبراني المستخدمة في المنظمات اليوم إلى افتراضات من قسم تكنولوجيا المعلومات أو مستشاري الأمن السيبراني. ومع ذلك، هناك دائماً فرصة أن تكون الافتراضات مضللة أو متحيزة، وربما تكون مصممة فقط نحو هدف معين مثل الامتثال. من ناحية أخرى، فإن الاستراتيجيات السيبرانية عبارة عن خطط عمل مستنيرة تغطي التهديدات والمخاطر السيبرانية المختلفة. كما يتم تطويرها بهدف نهائي وهو مواءمة أهداف الأمن مع أهداف العمل.
تحسين أداء المنظمة
تعمل الاستراتيجيات السيبرانية على تعزيز التحكم و دعم منظومة اتخاذ القرار في الأمور المتعلقة بالأمن السيبراني لأنها مبنية بالتعاون مع أصحاب المصلحة المختلفين. ويضمن ذلك أن الأقسام المختلفة في المنظمة يمكنها أن تحدد وتعمل بالتنسيق نحو تحقيق مجموعة مشتركة من أهداف الأمن. على سبيل المثال، يمكن لمديري الأعمال توعية موظفيهم المبتدئين لعدم مشاركة بيانات اعتماد تسجيل الدخول لمنع التصيد الاحتيالي. مثل هذه المساهمات الصغيرة من الأقسام المختلفة، كما وردت في استراتيجية الأمن السيبراني، تساعد في تحسين الوضع الأمني العام للمنظمة. و تثبت التزامك الطويل الأمد بالأمن.
تبسيط الأمن السيبراني
تساعد هذه الاستراتيجية على تغيير النظرة للأمن السيبراني كمجال معقد. إنها تعلم جميع أصحاب المصلحة بالمخاطر والتهديدات في الفضاء الإلكتروني ثم تشرح كيف يتم تخفيفها من خلال مجموعة من الأهداف الصغيرة القابلة للتحقيق.
كلمة أخيرة
توفر استراتيجية الأمن السيبراني ضماناً بأن جهوداً وموارد كبيرة ستوظف لحماية المنظمة. مثل هذا الالتزام هو علامة جيدة لأصحاب المصلحة على أن المنظمة ستظل آمنة أثناء الهجمات -نسبياً-. وبهذا يمكننا أن نستنتج أنه بدون استراتيجية الأمن السيبراني لن تتمكن من تحسين استثمارك، ولا يمكنك تحديد أولويات احتياجات العمل، وسيصبح موقف الأمن لديك أكثر تعقيداً.