جوليان أسانج (Julian Assange) هو مبرمج كمبيوتر أسترالي أسس منظمة ويكيليكس الإعلامية. أصدر أسانج، من خلال ويكيليكس، آلاف الوثائق الداخلية أو السرية من مجموعة متنوعة من الكيانات الحكومية والشركات. أمضى ما يقرب من سبع سنوات في سفارة الإكوادور في لندن. كانت تلك محاولة لتجنب الملاحقة القضائية. لكنه أمضى خمس سنوات إضافية في السجن البريطاني محاولاً منع تسليمه إلى الولايات المتحدة.
عندما كان أسانج طفلاً صغيراً، كان لديه فضول عارم حول العالم من حوله. كما امتلك الرغبة في “التغلب على الحواجز التي تحول دون المعرفة”. وفي سن الثامنة كان لديه بالفعل اهتمام كبير بالفلسفة والرياضيات، حيث قرأ العشرات من الكتب ذات الصلة. كما أتقن جهاز كومودور 64، وهو جهاز كمبيوتر مبكر جداً تم إنتاجه في تلك المرحلة، واستكشف البرمجة. وفي سن 15 عاماً، كان يكسر أنظمة التشفير المستخدمة لمنع الأشخاص من مشاركة البرامج. كذلك، كسر لاحقاً الأنظمة المستخدمة لإخفاء المعلومات في الحكومة.
إنشاء ويكيليكس
كانت عائلة جوليان أسانج تتنقل بشكل متكرر عندما كان طفلاً، وتلقى تعليمه من خلال مزيج من التعليم المنزلي ودورات المراسلة. عندما كان مراهقاً، أظهر كفاءة خارقة في التعامل مع أجهزة الكمبيوتر. وباستخدام لقب القرصنة “مينداكس”، اخترق عدداً من الأنظمة الآمنة، بما في ذلك تلك الموجودة في وكالة ناسا والبنتاغون. في عام 1991، اتهمته السلطات الأسترالية بـ 31 تهمة تتعلق بجرائم إلكترونية. واعترف بأنه مذنب في معظم هذه الجرائم. ومع ذلك، عند النطق بالحكم، لم يتلق سوى غرامة صغيرة كعقوبة، وحكم القاضي بأن أفعاله كانت نتيجة فضول الشباب. على مدى العقد التالي، سافر أسانج، ودرس الفيزياء في جامعة ملبورن. لكنه أنسحب منها قبل أن يحصل على شهادة جامعية، وعمل مستشاراً لأمن الكمبيوتر.
أنشأ أسانج موقع ويكيليكس في عام 2006 ليكون بمثابة غرفة مقاصة للوثائق الحساسة أو السرية. لكن قصة ويكيليكس والأسئلة المتعلقة بأخلاقيات أساليبها سرعان ما طغت عليها. ونشرت ويكيليكس عدداً من التحقيقات الصحفية ، بما في ذلك تفاصيل حول منشأة غوانتانامو في كوبا.
القضايا القانونية ضد جوليان أسانج
في عام 2010، نشرت ويكيليكس ما يقرب من نصف مليون وثيقة تم الحصول عليها من محلل استخبارات الجيش الأمريكي يدعى مانينغ. تتعلق هذه الوثائق بشكل أساسي بالحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان. في حين أن الكثير من المعلومات المنشورة كانت بالفعل معروفة، فإن الإدارة الأمريكية انتقدت التسريبات باعتبارها تهديدا للأمن القومي الأمريكي. وفي تشرين الثاني من ذلك العام، بدأ موقع ويكيليكس بنشر ما يقدر بنحو 250 ألف برقية دبلوماسية أمريكية سرية. يعود تاريخ هذه الوثائق السرية في الغالب إلى الفترة من 2007 إلى 2010، لكن بعضها يعود تاريخه إلى عام 1966. كان رد فعل الحكومات في جميع أنحاء العالم سريعاً، وأدان الكثيرون النشر. وأصبح أسانج هدفا لكثير من هذا الغضب، ودعا بعض السياسيين الأمريكيين إلى ملاحقته باعتباره مجرماً.
كما واجه أسانج المحاكمة في السويد، حيث كان مطلوباً فيما يتعلق بتهم أخلاقية. ألقي القبض على أسانج في لندن في كانون الأول 2010 واحتجز في انتظار تسليمه المحتمل إلى السويد. تم إطلاق سراحه في النهاية بكفالة، وفي شباط 2011، حكم قاض بريطاني بضرورة المضي قدماً في عملية التسليم، وهو القرار الذي استأنفه محامو أسانج. في كانون الأول 2011، وجدت المحكمة العليا البريطانية أن قضية تسليم أسانج كانت “ذات أهمية خاصة” وأوصت بأن تنظر فيها المحكمة العليا. سمح هذا القرار لأسانج بتقديم التماس إلى المحكمة العليا مباشرة لعقد جلسة استماع نهائية بشأن هذه المسألة.
مذكرات أسانج
في أيار 2011، حصل أسانج على تكريم من مؤسسة سيدني للسلام، وهو الشرف الذي سبق أن مُنح لنيلسون مانديلا “لشجاعته الاستثنائية” في سبيل الإنسانية -وفق تعبير الجهة المانحة-. نُشرت مذكرات أسانج -دون موافقته- في أيلول-2011. وكان أسانج قد تلقى دفعة مالية مسبقة كبيرة مقابل الكتاب، لكنه سحب دعمه للمشروع بعد 50 ساعة من المقابلات مع الكاتب. وخلال نظر المحكمة العليا في بريطانيا في مسألة تسليم أسانج، فقد ظل تحت الإقامة الجبرية في منزل أحد أنصار ويكيليكس. من هذا الموقع، سجل أسانج سلسلة من المقابلات التي تم جمعها تحت عنوان “عالم الغد”.
جوليان أسانج في السفارة
في حزيران- 2012، بعد أن رفضت المحكمة العليا طلب تسليمه، لجأ أسانج إلى سفارة الإكوادور. تقدم بطلب اللجوء على أساس أن تسليمه إلى السويد يمكن أن يؤدي إلى محاكمة نهائية في الولايات المتحدة بسبب أفعال تتعلق بموقع ويكيليكس. وادعى أسانج أن مثل هذه المحاكمة ستكون ذات دوافع سياسية ومن المحتمل أن تعرضه لعقوبة الإعدام. وفي آب، تمت الموافقة على طلب أسانج، لكنه ظل محتجزاً داخل السفارة بينما حاول المسؤولون البريطانيون والإكوادوريون حل المشكلة.
بدأ جوليان أسانج عامه الثاني داخل أسوار السفارة بإطلاق حملة للحصول على مقعد في مجلس الشيوخ الأسترالي. كان أداء حزب ويكيليكس، الذي تأسس في تموز-2013، ضعيفاً في الانتخابات العامة الأسترالية التي جرت في 7 أيلول-2013 وفشل في الفوز بأي مقاعد في مجلس الشيوخ. في آب-2015، أسقط المدعون السويديون تحقيقهم في ثلاثة من الادعاءات ضد أسانج، لأنهم لم يتمكنوا من مقابلته قبل انتهاء فترة التقادم البالغة خمس سنوات. ومع ذلك، واصلت السلطات السويدية إجراء تحقيق في مزاعم جرمية، وظل أسانج داخل سفارة الإكوادور في لندن.
الحرب الهجينة
في عام 2016، أصبح أسانج لاعباً مؤثراً في السباق الرئاسي الأمريكي، عندما بدأ ويكيليكس في نشر اتصالات داخلية من الحزب الديمقراطي وحملة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. ولم يخف أسانج عداءه الشخصي لكلينتون، ومن الواضح أن التسريبات كانت موجهة لإلحاق أكبر قدر من الضرر بحملتها. في كانون الثاني-2017، ذكر تقرير استخباراتي أمريكي أن أسانج وويكيليكس كانا جزءًا رئيساً من حملة حرب هجينة متطورة ضد الولايات المتحدة. في أيار 2017، مع اقتراب أسانج من عامه الخامس تحت الإقامة الجبرية الفعلية في سفارة الإكوادور في لندن، أعلن المدعون السويديون أنهم أوقفوا تحقيقاتهم في التهم الموجهة إليه.
جوليان أسانج – نهاية سعيدة
في 11-نيسان 2019، سحبت الإكوادور عرضها للجوء لأسانج، مشيرة إلى الانتهاكات المتكررة للقانون الدولي والشروط التي فرضتها عليه فيما يتعلق بفترة عمله في السفارة. وتم بعدها الحصول على تعهد مكتوب من الحكومة البريطانية بأن أسانج “لن يتم تسليمه إلى بلد يمكن أن يواجه فيه عقوبة الإعدام”. بناءاً على هذا التعهد، تم السماح للشرطة البريطانية بدخول السفارة واعتقال أسانج.
ورغم أنه لم يعد خاضعاً للتحقيق في السويد، إلا أن أسانج كان لا يزال مطلوباً لعدم مثوله أمام محكمة بريطانية. وكان أيضاً هدفاً لمذكرة تسليم معلقة من الولايات المتحدة بتهمة جرائم الكمبيوتر. وقد أمضى أكثر من خمس سنوات في سجن شديد الحراسة في بريطانيا، حيث كان يعمل على إلغاء تسليمه إلى الولايات المتحدة. في هذا الشهر، تم إطلاق سراح أسانج من الحجز البريطاني كجزء من صفقة مع وزارة العدل الأمريكية. وفي مقابل الاعتراف بالذنب في تهمة واحدة تتعلق بالحصول على معلومات تتعلق بالأمن القومي والكشف عنها بشكل غير قانوني.
كلمة أخيرة
عاد مؤسس موقع ويكيليكس، جوليان أسانج، إلى وطنه أستراليا حراً، يوم الأربعاء الماضي، بعد اعترافه بالذنب في صفقة أنهت معركته القانونية التي استمرت سنوات بشأن نشر أسرار عسكرية أمريكية. وبموجب اتفاق الإقرار بالذنب الذي تم الكشف عنه يوم الاثنين 24-حزيران، حُكم على أسانج بالسجن لمدة 62 شهراً قضاها بالفعل في السجن في بريطانيا. هل كان أسانج مجرماً؟ باختصار، يعتمد اعتبار أسانج مجرماً أم لا، على وجهة نظر الشخص والسياق القانوني المحدد. من الضروري النظر في جميع جوانب القضية عند تكوين الرأي.