في الطبيعة الديناميكية للعالم الرقمي ،لا يوجد أمن مطلق، بل إن البحث عنه يمثل هدراً للوقت و للانتاجية . فهناك الكثير من التهديدات التي يتعين معالجتها. والكثير من المعارك لخوضها. ومخاطر يجب التخفيف منها. وبالتالي، ينبغي على المدافعين السيبرانيين تبني نهج أكثر واقعية وإبداعاً في التعامل مع الأمن من خلال التركيز على الأهداف القابلة للتحقيق وهو ما يمثل الأمن السيبراني العملي.
التكيف مع المخاطر السيبرانية
في بناء قدراتنا السيبرانية، يمكننا أن نركز على الدفاعات المصممة لمواجهة التهديدات لتوفير حماية سريعة وفعالة من حيث التكلفة ضد المهاجمين. فمع تطور التهديدات الهجومية، تطورت أيضاً دفاعاتنا وأضيفت أدوات أحدث لمقاومة المهاجمين الأكثر قدرة. هذه العملية المستمرة من الابتكار والتكيف والتحسين هي ما سمح بإدارة الأعمال بأمان في القرن الحادي والعشرين. بتكييف تدابير الأمن باستمرار استجابة للمشهد الحالي للتهديدات والثغرات أثناء تقييم التهديدات الناشئة، نؤكد أن الأمن السيبراني هو رحلة، وليس وجهة. كما نعترف بعدم اليقين من الاحتمالية والتأثير في حسابات المخاطر والعوامل التي تدخل في استراتيجيات الوقاية والكشف. لا يتطلب كل تهديد سيبراني رداً و قدرات و استجابة و موارد من الدرجة الأولى وميزانيات كبرى . في بعض الأحيان، يتم احتواء التهديد باستخدام أداة بسيطة مفتوحة المصدر تعمل على الكمبيوتر المحمول الخاص بالمدافعين.
يسمح الأمن العملي للمؤسسات بالاستجابة بسرعة للمخاطر الناشئة. قد تكون أفضل استجابة للتهديد الجديد هي امتلاك الرؤية الصحيحة عن المخاطر السيبرانية. يمكن البدء بذلك بسرعة وسهولة عبر الإجابة على أسئلة مثل، “ما حجم المشكلة؟” و “ما مدى تعرضنا؟”. كما يسمح هذا النهج للمؤسسات بتحديد أولويات المخاطر الأكثر أهمية ومعالجتها. وبذلك، سيتم تعزيز الأجزاء الأكثر ضعفاً في الشبكة أولاً. يمكن أن تظل التهديدات ،الأقل تأثيراً أو احتمالية، قيد المراقبة حتى يبرر ارتفاع مستوى التهديد الحاجة إلى المزيد من الاستثمار. تسمح هذه البيئة بنمو الإبداعات كما يستفيد المدافعون من الهجمات الجديدة لاستخلاص الدروس و العبر ولتطوير أفكار وحلول جديدة تجعل دفاعات الأمن السيبراني أقوى وأكثر مرونة مع ارتفاع مستوى التهديد.
تطبيق الأمن السيبراني العملي
الخطوة الأهم في الأمن العملي هي تحديد نطاق الحماية المطلوب والتأكد من موافقة جميع أصحاب المصلحة عليه. كما يعتمد الأمن العملي على التحسين المستمر وإعطاء الأولوية بناءاً على متطلبات العملاء أو السوق أو المنافسة. يمكن للأمن السيبراني أن يتبع نفس المسار، حيث يقدم تحسينات تدريجية بسرعة وكفاءة. كما تضمن المراجعات الدورية فهم التهديدات وتحديد نقاط الضعف لجمايتها بدل الانتظار حتى يتم اختراقها. وعلى التوازي مع ما سبق، يساعد تثقيف موظفي المؤسسة حول ممارسات الأمن في تحديد التهديدات المحتملة، وبالتالي تحفيز التحليل والاستجابة للهجمات. و يتضمن إنشاء الخطة الصحيحة للأمن السيبراني الإجابة على أسئلة صعبة مثل ما يلي:
- ماذا سيفعل المهاجمون ؟
- كيف ستتطور تقنياتهم بطرق لم نخطط لها؟
- كيف ستؤثر التقنيات الجديدة على نموذج الأمن في مؤسستنا؟
- كيف ستؤثر فرص العمل الجديدة على أمننا؟
- كيف يمكننا أن نعرف أننا فعلاً آمنون– وأننا قمنا بتأمين المؤسسة بشكل مناسب؟
- كيف نستخدم مواردنا المحدودة بأفضل طريقة ممكنة؟
وبالتالي فإن النقاط الثلاث الأهم في الأمن السيبراني العملي تمثل:
تحديد هوية الخصوم السيبرانيين وتكتيكاتهم
أصبحت التهديدات السيبرانية جزءاً من عالمنا الرقمي. من القراصنة الذين ترعاهم الدول، ‘لى التجسس الصناعي و المتسللين الأفراد، تأتي هذه الجهات الفاعلة في التهديد بأشكال عديدة وتمتلك المهارات والقدرات اللازمة لإحداث الضرر. تستخدم هذه الجهات مجموعة من التكتيكات والتقنيات والإجراءات (TTPs) لهجماتها. قد تشمل هذه التكتيكات أي شيء
من حملات التصيد الاحتيالي، والبرامج الضارة، والهندسة الاجتماعية، واختراقات الشبكة إلى التلاعب بالبيانات أو سرقتها. من المهم أن يكتسب المدافعون فهماً أفضل للتهديدات السيبرانية والإجراءات اللازمة لتأمين الأصول المعلوماتية ضد
أنواع الجهات الفاعلة في التهديد عبر معرفة دوافع وأهداف هذه الجهات وتكتيكاتها.
معرفة نقاط الضعف في المؤسسة وتقييمها
إن حجر الزاوية في الأمن السيبراني العملي هو تحديد نقاط الضعف في المؤسسة وتقييمها بشكل فعال، إضافة لتحديد أولويات احتياجات العمل وخريطة الطريق لتحقيقها. ومع تطور مشهد التهديدات بسرعة والزيادة المستمرة في سطح الهجوم والحجم الهائل للهجمات، يجب أن نكون قادرين على اتخاذ قرارات أسرع وأذكى. لكن نقاط الضعف التي لم يتم معالجتها قد يتم استغلالها. لذلك، يعد فحص الثغرات الأمنية واختبار الاختراق مكونات أساسية لإطار عمل قوي لتقييم الأمن السيبراني. يحدد الإجراء الأول نقاط الاستغلال المحتملة في نظام أو شبكة، بينما يحاكي الثاني الهجمات السيبرانية لاختبار المرونة. تساعد تلك العمليات في تقييم المخاطر و تحديد التأثيرات المحتملة للثغرات الأمنية المكتشفة مما يسهل اتخاذ قرارات أفضل بشأن استثمارات واستراتيجيات الأمن السيبراني.
البقاء على إطلاع بالمستجدات
لا تتوقف المعركة بين المؤسسات التي تسعى جاهدة لحماية أصولها الرقمية و بين الجهات الفاعلة في مجال التهديد التي تبتكر باستمرار أساليب متطورة لاختراق هذه الدفاعات. من المفيد التنبؤ بالخطوة التالية للخصم عبر الاستفادة من التطور التقني. فالمطلوب الانتقال من الاستجابة للتهديدات السيبرانية إلى العمل بشكل استباقي. لذلك، يجب البقاء على إطلاع بالتهديدات والاتجاهات الناشئة في الأمن السيبراني من خلال مراقبة معلومات الاستخبارات المتعلقة بالتهديدات باستمرار، وأخبار الأمن السيبراني، والشبكات المهنية والشخصية، وتطوير تدابير مضادة فعالة . من المهم أن نتذكر أنه ليس السؤال فيما إذا كانت مؤسستنا ستُستهدف أم لا، بل متى. وبالتالي، يجب علينا فهم عقلية الجهات الفاعلة المهددة، ومن ثم فهم دوافعها واستراتيجياتها وقدراتها. كما يجب علينا أن نبتكر، وألا نقتصر على التكنولوجيا، بل نتوسع أيضاً في تعزيز ثقافة التعلم المستمر.
من المهم تبني التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي (AI)، والتعلم الآلي (ML)، ونماذج الثقة الصفرية، فهي تعزز الدفاعات، ولكن الأهم البقاء في صدارة التهديدات المتطورة و مواكبة التهديدات الناشئة وامتلاك المعرفة اللازمة لتوقع محاولات التسلل المحتملة ومواجهتها. يمثل روبودين حليفاً استراتيجياً للمؤسسات ويعزز قدرتها في البقاء على إطلاع بآخر المستجدات في الأمن السيبراني و تثقيف فريق العمل حول المخاطر السيبرانية لتحسين الحماية تجاه محاولات الجهات الضارة.
الأمن السيبراني العملي – كلمة أخيرة
يجب علينا مواجهة التهديدات الخارجية بسرعة وكفاءة عبر إنشاء أنظمة قادرة على التخفيف من التهديدات والاستجابة للتحديات الجديدة دون إعاقة العمل. إن مطاردة حلم الأمن السيبراني المثالي، والمخاطر الصفرية أمر مكلف وغير قابل للتحقيق. يقدم النهج العملي للأمن السيبراني استراتيجية عملية وفعالة لحماية المنظمات الحديثة. إنه لا يضمن فقط موقفاً أمنياً قوياً، بل إنه يدعم أيضًا المرونة والإبداع الضروريين للشركات لتزدهر في عالم اليوم الرقمي. بعبارات بسيطة، لا تبن برجاً حجرياً مثيراً للإعجاب عندما يكون سياج خشبي بسيط كافياً لتوفير الحماية.