هل سبق لك أن ظهر إعلان عبر الإنترنت في اللحظة أو بعد ساعات من ذكر منتج أو علامة تجارية معينة؟ وليس بالضرورة عندما كنت تبحث عنه عبر الانترنت على وجه التحديد أو تسأل Alexa عنه. وإذا كان الأمر كذلك، فهل تساءلت عما إذا كانت هواتفنا المحمولة ومساعدينا الافتراضيين وأجهزتنا الذكية تتنصت علينا. هل سمعت أحد أصدقائك يخبرك -و كأنه أكتشف الذرة- أن وسائط التواصل الاجتماعي ، و منها الفيسبوك مثلاً ، تتجسس علينا.
ببساطة لا تخلو من قسوة. الجواب السريع المجمل للسؤال أعلاه، هو نعم. لكن الحقيقة تكمن في التفاصيل هذه المرة. إن أجهزتنا تستمع إلينا دائماً. بعض الأجهزة مصنعة خصيصاً لراحتنا. سواء كان الأمر يتعلق بالتحكم بالمنزل الذكي أو جعله أكثر ذكاءاً فالطريقة الوحيدة التي يمكن لهذه الأجهزة أن تفعل ذلك بها هي إذا كانت تستمع إن لم نقل “تتجسس”.
يبدأ الأمر عادةً بشروط الخدمات المقدمة على مواقع الويب ومنصات التواصل الاجتماعي والتطبيقات وكذلك الأجهزة. إن اللغة والصياغة، التي نادراً ما نقرأها بتمعن، كثيراً ما تشتمل على شروط بشكل جمل استفهامية . وبمجرد موافقتنا على الشروط ــ وتجاهل الطرق التي تحد من ذلك التطفل ــ نكون قد منحنا الآذان الرقمية الحرية في التصرف.
بيع الروح
من منا لا يعلم قصة بيع الروح التي أضافها -على سبيل التجربة- بائع لألعاب الكمبيوتر كبند في شروط الخدمة. كان النص كما يلي “من خلال تقديم طلب عبر موقع الويب هذا… فإنك توافق على منحنا خياراً غير قابل للتحويل للمطالبة، في الوقت الحالي وفي أي وقت وإلى الأبد، بروحك ” . بالنتيجة، فإن ما يقرب من 7500 متسوق قاموا بالمرور على تلك الشروط ووافقوا على التخلي عن أرواحهم. في العينة التي تعاملت معها هذه التجربة تبين أن 88% من المستخدمين يوافقون على اتفاقية الخدمة دون قراءتها فعلياً.
هل تساءلت يوماً كيف أصبح لدينا هذا العدد من شركات الانترنت الكبرى؟. تذكر أنك قدمت لهم معلوماتك عن طيب خاطر مقدماً. وبعد ذلك، أصبحوا قادرين بشكل أساسي على ربط كل هذه المعلومات معاً و الاستفادة منها في تطوير و تخصيص منتجاتهم. وبذلك أصبحوا مؤسسات عملاقة. مع ذلك، لا تفقد الأمل. فمازالت هناك طرق لحماية خصوصيتك، بما في ذلك قراءة شروط الخدمة فعلياً، والحد من النشر على وسائل التواصل الاجتماعي وتنزيلات التطبيقات.
وسائط التواصل الاجتماعي وهاجس المراقبة
هل تتذكرون فيلم Enemy of the State ، منذ العام 1998 -تاريخ إطلاق الفيلم- إلى اليوم تغيرت أدوات المراقبة. لايحتاج الأمر لفريق من العملاء أو المحترفين. يمكن لشركات مثل الفيسبوك أن تجسس عليك وتراقبك أيضاً. لديك كل الأسباب للقلق بين عرض فيسبوك لك لإعلانات عن الأشياء التي بحثت عنها عبر الانترنت وفضيحة كامبريدج أناليتيكا.
يتتبعك فيسبوك بطريقتين: من خلال نشاطك على التطبيق ونشاطك على تطبيقات الطرف الثالث. يعني ذلك أن فيسبوك يراقبك حتى عندما لا تكون متصلاً بالانترنت عبر التطبيق. كما يستمر في تتبع نشاطك على مواقع الويب الأخرى بعد إغلاق التطبيق. يعد التجسس على التطبيقات أمراً شائعاً لدى جميع الشركات. لكن فيسبوك تعرض لموقف صعب بسبب انكشاف تجسسه على المستخدمين وتعريض بياناتهم للخطر. إذا كنت تعتقد أنه لا داعي للقلق إلا بشأن حماية بياناتك من المتسللين ومجرمي الانترنت.
ومع ذلك، لا يقتصر الأمر على فيسبوك -شركة ميتا- فقط. ربما لاحظت علامات تشير إلى أن أحد خصومك يلاحقك على فيسبوك. وذلك لأن مشاهدة شخص ما على الفيسبوك دون علمه هو أمر سهل.
ليست ميتا وحدها من توجه لها أصبع الاتهام. على سبيل المثال، هل جربت البحث عبر Google ، عن تمارين رياضية. ثم تتصفح بعض نتائج البحث. غالباً ستجد أنه بعد فترة وجيزة تمتلئ صفحات المتصفح بإعلانات عن أشياء مثل مكملات غذائية و البروتين وعروض الاشتراك الصالات الرياضية.
في بعض الأحيان قد تبدو هذه العملية مريحة ومساعدة جداً. لكن قد يساورك القلق في بعض الحالات. مثلاً، عندما تلتقي بالأصدقاء وتبدأ الحديث عن الإجازات و شخص ما يذكر السعودية أو الإمارات العربية المتحدة مثلاً. بعدها كما لو أن في الأمر سحراً ، يظهر لك إعلان لدليل لأفضل الوجهات السياحية في البلدين. تسمى هذه العملية الإعلانات المستهدفة. لكن في بعض الحالات قد تكون الإعلانات خبيثة وهو ما يستوجب الحذر.
هل تستمع وسائط التواصل الاجتماعي إلى محادثتنا؟
الجواب على هذا هو لا (أو على الأقل لا نعرف بالتأكيد). في تلك المواقف التي لم تقم فيها بالبحث أو النقر فوق أي شيء متعلق بمنتج معين. ومع ذلك ربما تحدثت عنه في الحياة الواقعية و ظهر لك إعلان متعلق بهذا المنتج. وعندها سوف تعتقد أن هناك تفسيراً واحداً فقط وهو: أن غوغل أو تطبيقات التواصل الاجتماعي تستخدم ميكرفون الهاتف بشكل سري لتستمع إلى ما نتحدث عنه. في الواقع هناك سببان لعدم صحة هذه النظرية:
1- أسباب عملية:
وفقاً لإحدى الإحصائيات وبشكل متوسط ينتج كل واحد منا حوالي 430 ميغا بايت من البيانات بشكل يومي من خلال الحديث فقط. منصة مثل Instagram لديها أكثر من مليار مستخدم. وإذا كانت تريد إرسال إعلانات مستهدفة مبنية على نوع من التنصت على المستخدمين فستحتاج إلى تسجيل وتخزين ما يقدر بـ petabytes 430. وإذا كانت ذات قيمة للمعلنين ،فسيتعين أيضاً تحليل جميع هذه البيانات ووضعها في سياقها في الوقت الفعلي أو القريب.
2- أسباب قانونية:
في كل دولة يوجد قانون ينظم الأمور والمعلومات التي يسمح للشركات الحصول عليها. و من المخالف للقانون أن تقوم شركات مثل Google أو Facebook أو أي شخص آخر بتسجيل محادثتك سراً واستخدامها لاستهدافك بالإعلانات الموجهة. ولكن في الحقيقة يوجد دائماً من ينتهك قواعد الخصوصية. فهذه القوانين لا يمكنها أن تمنع بالضرورة لاعبي التكنولوجيا الكبار من فعل ذلك. لنأخد Facebook على سبيل المثال: قبل سنوات، تعرضت الشركة لغرامة بقيمة 5 مليارات دولار لفشلها في حماية البيانات من قبل الجهات الخارجية (طرف ثالث). وكذلك تقديم الإعلانات من خلال أرقام الهواتف المسجلة في الموقع بهدف الحماية و الأمان والكذب على المستخدمين بشأن الإعدادات الافتراضية الخاصة بعملية التعرف على الوجوه
وسائط التواصل الاجتماعي و التتبع
اللعب مع البيانات الشخصية هو أمر جذاب للشركات ولكن إذا اتضح أن شركة ما كانت تسجل بشكل سري محادثات المستخدم لاستهدافه بالإعلانات فهذه اللعبة ستكون مختلفة تماما و الغرامات والأضرار التي ستلحق بسمعة الشركة ستكون كارثية. لذلك يعد تسجيل محادثاتك لاستهدافك بالإعلانات أمراً معقداً للغاية ومحفوفاً بالمخاطر والأهم من ذلك أن الشركات الكبيرة لا تحتاج فعلاً إلى القيام بذلك، لديهم حيل تتبع أخرى يمكن أن تكون فعالة بنفس القدر وبدون هذه المخاطر.
أساسيات التتبع:
يمكن تعريف التتبع على أنه البرامج والتقنيات الأخرى التي تستخدمها الشركات لمتابعتك عبر الانترنت و الهدف هو تكوين صورة عن سلوكك وتفضيلاتك لتقديم المزيد من المواد الإعلانية ذات الصلة. فيما يلي أكثر تقنيات تتبع الإعلانات شيوعاً و التي يجب أن تكون على دراية بها:
ملفات تعريف الارتباط Cookies: معلومات نصية يتم حفظها بواسطة متصفحك وتخزينها على جهازك وتعمل على مساعدة الشركات في إنشاء ملف تعريف إعلاني لك وأنت تنتقل من موقع إلى آخر.
تتبع الموقع: مع تمكين تتبع الموقع الجغرافي على هاتفك أو في تطبيق معين فهذا الأمر يفتح الباب لشركات جمع البيانات لجمع معلومات مفصلة حول الأماكن التي تذهب إليها وهي بيانات قيّمة جداً للمعلنين.
معلومات الجهاز: أو ما يسمى البصمة الرقمية للجهاز، تلتقط هذه التقنية معلومات مفصلة حول خصائص جهازك (مثل إصدار المتصفح ونظام التشغيل والإعدادات والمكونات الإضافية المثبتة) لإنشاء ملف تعريف فريد وهذا الأمر يسمح بتمييز جهازك عن الآخرين
الخصوصية في وسائط التواصل الاجتماعي
يمكن لأدوات التعقب المتقدمة أن تتصفح نشاطك عبر جميع المواقع. بناءً على خوارزميات التعلم الآلي حيث يتم اكتشافك وتصنيفك بشكل تلقائي مع مجموعة من الأشخاص الذين يشاركونك نفس الاهتمامات. ويمكن للمعلنين بعد ذلك استخدام هذه المجموعات بحسب الاهتمام الخاص بها. لذلك (من الناحية النظرية) يتم استهدافك كعضو من مجموعة (شخص مجهول) وليس كشخص محدد ، تعتمد شركة غوغل على هذا الأسلوب الذي يمكن المعلنين من تجميع الكثير من المعلومات عنك بسهولة: على سبيل المثال سجل الشراء وعادات استخدام الجهاز والاهتمامات. ولا تنس: هذا يتضمن بيانات تحديد الموقع الجغرافي.
كلمة أخيرة
يمكن حماية خصوصيتك عبر إيقاف تشغيل أدوات التعقب وخاصة تتبع الموقع . كما يمكن اختيار متصفح يركز على الخصوصية لكن لايوجد حل واحد أو رصاصة فضية، المطلوب هو امتلاك الوعي والمعرفة للحفاظ على سلامتك في عالم الانترنت و إبقاء المتطفلين وأدواتهم بعيدين عن عالمك الخاص -لأكثر حد ممكن-. يوفر لكم روبودين مصدراً موثوقاً للقارئ العربي حول معرفة المزيد عن الأمان والخصوصية.