تخيل أن تسأل ابنك عن أسماء أصدقائه فيخبرك أن أحدهم هو : جهازه الجوال أو اللوحي. قد تكون هذه الإجابة صادمة و لكنها حقيقية أكثر مما نتخيل. لنكتشف معاً مدى صحة تلك الإجابة و نستخدمها لقياس المسافة الفاصلة بين الإدمان الرقمي و بين الاستخدام المعقول للأجهزة الرقمية؟
كيف أصبحت الأجهزة الرقمية أصدقاء أطفالك؟ الصديق يلازم صديقه طيلة الوقت، و كذلك الأجهزة الرقمية تلازم أطفالنا. و الصديق يعرف الكثير عن صديقه. و من يعرف سلوكيات أطفالنا في العالم الافتراضي -و ربما الحقيقي- أكثر من أجهزتهم الرقمية.
في عالم اليوم ، يتعرض الأطفال والمراهقين إلى مخاطر الإدمان الرقمي. يحدث ذلك نتيجة التركز الكبير في العالم الافتراضي إن كان للتعلم عن بعد مثلاً أو للتسلية و التواصل مع الأصدقاء. يعرض ذلك الأطفال و المراهقين لمخاطر التعامل مع محتوى غير مناسب من الصور والمعلومات. تستكشف هذه المقالة بعض هذه المخاطر ، مع الاستراتيجيات الوقائية التي يمكن تنفيذها في هذا المجال.
الانترنت و الإدمان الرقمي
يلعب الانترنت دوراً مهماً في تكوين شخصية الطفل و أفكاره. و ربما هناك تخوف على القيم الثقافية و المجتمعية من خطر الانترنت. يتمتع الأطفال و المراهقون بسهولة الوصول إلى الانترنت التي أصبحت نداً لا يمكن تجاهله لكل أفكارنا كآباء و مربين. يهدد ذلك سعينا لتربية أبنائنا و اكتساب مصداقية لديهم. بل أن الانترنت أصبحت وسيلة مفضلة للأطفال والشباب للوصول إلى المعلومات. كما أنها أداتهم للحصول على إجابات للأسئلة التي قد يشعرون بعدم الارتياح حين طرحها على أولياء الأمور أو المعلمين. بالنسبة لكثير من الأطفال فقد تكفل جوجل بالإجابة على جميع أسئلتهم. “If life gives you questions, Google gives you answers“.
إنها طبيعة الحياة المتسارعة. كنا ننتظر أباءنا لنسألهم عما يشغل بالنا، و الأن نحن و أطفالنا نسأل جوجل. .
إذا طرحت عليك الحياة أسئلةً، جوجل يتكفل بالإجابة عليها.
خطر الهاتف المحمول
يمتلك أغلب المراهقين هاتفاً محمولاً واحداً على الأقل . بينما تسمح هذه الأجهزة للآباء بمراقبة مكان وجود أطفالهم و التواصل معهم. إلا أنها بالمقابل تقدم للأطفال سهولة الوصول إلى جميع أنواع المحتوى عبر الانترنت على مدار الساعة وبغض النظر من ملاءمتها لهم. إضافة لذلك، هناك خطر آخر و هو إعلانات الهاتف المحمول. تغزو تلك الإعلانات أجهزة الأطفال يومياً مع ما يحمله ذلك من مخاطر تتعلق بالمعلومات المضللة و التصيد الاحتيالي .
وسائل التواصل الاجتماعي
لدى أطفالنا ملفات شخصية على وسائل التواصل الاجتماعي. بينما تسمح مواقع التواصل الاجتماعي لأطفال بعمر 13 سنة بإنشاء حسابات على الانترنت للترفيه و التفاعل مع أصدقائهم يبقى هناك عواقب سلبية كبيرة عليهم.
تترواح هذه العواقب بين التنمر الإلكتروني و التعرض لمواد غير أخلاقية على الانترنت مما سيشوه طفولتهم أو يقدم لهم أفكاراً مغلوطة عن العلاقات الإنسانية.
بالمقابل، لا يشعر أغلب الآباء بالسعادة حيال وصول أطفالهم إلى مثل هذه المواد غير المناسبة عبر الانترنت لكن بسبب الطبيعة اللامركزية للانترنت فهناك صعوبة بالتواصل الفعال مع الشركات المسؤولة عن تلك المواد لحجبها أو تقييد وصول أطفالهم لها.
العزلة -ضريبة الإدمان الرقمي
يتخوف الأباء من عزلة أبنائهم بسبب الاستخدام المفرط للانترنت. كما يسعون لعلاج جميع أشكال إدمان الانترنت من خلال البحث عن طرق صحية لاستخدام التكنولوجيا. من المهم ملاحظة أن الشعور بالعزلة و الوحدة و ضعف التواصل لدى الأفراد يزيد مع زيادة استخدام الانترنت عموماً. لذلك يقترح روبودين ضرورة وجود قدوة للأطفال و المراهقين يرشدهم للطرق الصحيحة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي و أدوات الانترنت بمختلف أشكالها.
إذا أردنا مساعدة الأطفال على البقاء بأمان و تجنب مثل هذا التأثيرات السلبية من الانترنت ، يجب أن نعلمهم العواقب المحتملة لمشاركة المعلومات الشخصية والصور عبر الانترنت، وكذلك كيفية وضع حدود شخصية وقائية لأنفسهم تحمي خصوصيتهم من الغرباء و المتطفلين.
الوصفة السحرية
ليست المشكلة بالانترنت و لكن بطريقة استخدام الأطفال لها. يمكن تقليل المخاطر بالطلب من الآباء الإشراف على هذا الاستخدام. وكذلك مراجعة طريقة وصول الأطفال إلى الانترنت و المحتويات التي يزورونها. كل هذا يعتمد على المعلومات التي يتم جمعها من الوالدين. لكن لاتوجد وصفة سحرية أو موحدة في هذا الإطار.
هناك عدة محددات تؤثر على الأطفال و منها معتقدات الوالدين حول العمر الذي يبدأ الأطفال في الوصول إلى الانترنت ، و رؤيتهم لمخاطر وفوائد استخدام الانترنت و مفهومهم للوقت الذي يعتبرونه معقولاً لذلك. و يضاف لما سبق المعلومات التي يعتقدون أنه يجب إخفاءها عن أطفالهم ، والموارد التي سيستخدمونها إذا تعرض طفلهم أو أطفالهم لبعض مخاطر الانترنت. بالإضافة إلى نتائج العلاقات المتبادلة بين معتقدات الوالدين و ردة فعل أطفالهم و تفاعلهم مع هذه المعتقدات.
الإدمان الرقمي- مخاطر صحية
بالتوازي مع السؤال التقليدي عن مقدار الوقت الذي يمضيه أبناؤهم على الانترنت فإن هناك شيئاً آخر يثير قلق الأباء و هو صغر أعمار مستخدمي الانترنت. هل يجب منع الأطفال تحت عمر معين من الاتصال بالإنترنت؟ خصوصاً أن الإدمان الرقمي يشبه الرمال المتحركة. فهو يؤدي إلى فقدان الشخص للسيطرة على استخدام الانترنت. تخيلوا ردة فعل الأطفال عندما يحاول الوالدان الحد من الفترة التي يمضيها أطفالهم على الانترنت أو يقررون إيقاف تشغيل الأجهزة الرقمية مثلاً. سيقابلهم التحدي والعصيان ، وفي بعض الحالات ، العنف. لكن مع ذلك، فالأمر يستحق المحاولة.
الأمية الرقمية مقابل الإدمان الرقمي
تُعرِّف اليونسكو الأمية الرقمية بأنها عدم القدرة على الوصول إلى المعلومات وإدارتها وفهمها ودمجها وتوصيلها وتقييمها وإنشاءها بشكل آمن ومناسب من خلال استخدام التكنولوجيا والتقنيات الرقمية. لكن هل بديل الإدمان الرقمي هو الأمية الرقمية؟ ما نحتاجه فعلاً هو التوازن. يوفر لنا هذا التوازن جملة من التدابير الاستباقية لتوعية الأطفال بمساعدة المدارس وأولياء الأمور لمحو الأمية الرقمية دون الوقوع في فخ الإدمان الرقمي.