يعتبر عالمنا العربي من حيث الموقع الجغرافي مركزاً للأعمال والتجارة الدولية. ومع تزايد ترابط سلاسل التوريد العالمية، يتعين على المؤسسات في هذه المنطقة مواجهة مخاطر جديدة وناشئة. يمكن لهذه المخاطر أن تعطل العمليات، وتهدد البيانات الحساسة، وتضر بالسمعة بل وتهدد حياة الأشخاص. وقد أدت التوترات الجيوسياسية والتقدم التكنولوجي والاعتماد المتزايد على البائعين من جهات خارجية إلى تزايد مخاطر سلسلة التوريد. توفر الإدارة الفعالة لسلاسل التوريد ميزة تنافسية من حيث التكلفة وجودة الخدمات. ولكن يتطلب ذلك إشراك كل مكونات السلسلة للتعاون لتحقيق أهداف العمل.
مخاطر سلسلة التوريد
لقد تطورت إدارة سلسلة التوريد (SCM) كتخصص خلال العقدين الماضيين، رغم أنها كانت منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي جزءاً من الأعمال بشكل أو بآخر . وكذلك، تغيرت مفاهيم سلسلة التوريد خلال العقدين الماضيين. وبمرور الوقت، تم توسيع نطاق وحدود إدارة سلسلة التوريد لتشمل مجموعة واسعة من الوظائف، بدءاً من المشتريات فالإنتاج والتشغيل، والتخزين بينما كانت سابقاً تركز على التسويق والتمويل. إذا لم تكن وظيفة سلسلة التوريد
فعّالة وكفؤة، فلن تظل الشركات قادرة على المنافسة في السوق، وحتى استمرار العمل نفسه سيكون مهدداً. اليوم، أصبحت هذه العملية تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا و هو سبب هذا التداخل مع الأمن السيبراني.
النضج السيبراني
غالباً ما تمتد سلاسل التوريد في العالم العربي عبر بلدان متعددة. ولكل منها بيئات تنظيمية وبنية أساسية ومستويات نضج سيبراني مميزة. يزيد هذا التمايز من المخاطر الأمنية المحتملة والتي نعدد بعضها فيما يلي:
- الثغرات السيبرانية لدى الموردين: تعتمد العديد من المؤسسات على الموردين للحصول على خدمات تكنولوجيا المعلومات والأجهزة والبرامج. ويمكن أن يؤدي ضعف أحد أجزاء سلسلة التوريد إلى تعريض الشبكة بأكملها للهجمات السيبرانية. على سبيل المثال، قد يصبح المورد المخترق نقطة دخول للمتسللين لاستغلال الشركات الأكبر من خلال تكتيكات مثل البرامج الضارة لسلسلة التوريد أو هجمات التصيد الاحتيالي.
- العوامل الجيوسياسية: تنعكس التوترات بين الدول على النشاطات السيبرانية. وبالتالي فإن الجهات الفاعلة في التهديد المدعومة من الدول تستهدف سلاسل التوريد لتعطيل الخدمات أو سرقة الملكية الفكرية أو زعزعة استقرار الاقتصادات. ظهرت أثار هذه العوامل في قطاعات مثل النفط والغاز والاتصالات حيث تتعرض أنظمة التكنولوجيا لهجمات سيبرانية متطورة.
- امخاطر عدم الامتثال: مع تشديد الحكومات على التشريعات المتعلقة بحماية البيانات والأمن السيبراني، أصبحت المؤسسات تحت مجهر المدققين فيما يتعلق بعلاقاتها مع أطراف ثالثة. على سبيل المثال، في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وسورية، تتطلب القوانين من الشركات تنفيذ تدابير أقوى لحماية البيانات وفرض الامتثال الجدي لأطر الأمن السيبراني. لا يؤدي عدم الامتثال إلى عقوبات قانونية فحسب، بل يؤدي أيضاً إلى الإضرار بالثقة بين الشركات و عملائها وشركائها التجاريين، وهو ضرر استراتيجي قد لا يمكن التعافي منه.
- مخاوف خصوصية البيانات: يزداد الاهنمام بخصوصية البيانات على مستوى العالم، والعالم العربي ليس استثناءاً. يجب على الشركات التي تتعامل مع بيانات العملاء أو الأعمال الحساسة أن تعمل على ضمان التزام شركائها في سلسلة التوريد بنفس مستوى حماية البيانات. يمكن أن يؤدي أي خرق على مستوى المورد إلى غرامات مالية وفقدان ثقة العملاء.
التهديدات لسلاسل التوريد
- إدارة مخاطر الموردين: يجب على الشركات بذل العناية الواجبة الصارمة، وفحص مورديها، وتقييم وضع الأمن السيبراني بانتظام. يتضمن ذلك فهم قدرات الاستجابة للحوادث لدى المورد، وتدابير حماية البيانات، ومستوى وعيهم بالأمن.
- نقص الشفافية : تحتاج الشركات لتنفيذ أدوات واستراتيجيات للحصول على رؤية أفضل لعمليات مورديها، وخاصة تلك التي تتعامل مع البنية التحتية أو البيانات الحرجة. يساعد ما سبق في استقراء المخاطر المحتملة والتخفيف منها قبل أن تتسبب بأضرار جسيمة.
- التعقيد التقني : زادت كفاءة الشركات عبر تبني تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء والخدمات السحابية في سلاسل التوريد. لكن الأمر لم يخلو من مخاطر جدية. على سبيل المثال، يمكن أن تتحول أجهزة انترنت الأشياء إلى كعب أخيل الذي يستغل في الهجمات السيبرانية إذا لم يتم تأمينها بشكل صحيح. يجب على الشركات التأكد من كون البنية التقنية عبر سلسلة التوريد الخاصة بها آمنة ومحدثة بانتظام.
- مرونة سلاسل التوريد: في عالمنا الرقمي الذي رسمت ملامحه الثورة الصناعية الرابعة (IR 4.0)، لا تقل أهمية المرونة السيبرانية عن أهمية بناء سلاسل توريد مرنة. وبالتالي، تحتاج الشركات إلى الاستثمار في خطط الاستجابة للحوادث واستراتيجيات التعافي من الكوارث التي تشمل الموردين ومزودي الخدمات.
التخفيف من مخاطر سلسلة التوريد
للتعامل بفعالية مع مخاطر سلسلة التوريد، يجب على الشركات في عالمنا العربي إعطاء الأولوية للاستراتيجيات التالية:
- تعزيز التعاون في مجال الأمن السيبراني: يعد التعاون في مجال الأمن السيبراني أمراً حيوياً يتيح تبادل معلومات التهديد للشركات لمواجهة التهديدات السيبرانية وبناء قدرة جماعية على التعافي و الحفاظ على استقرار السوق.
- الثقة الصفرية: يضمن هذا المفهوم عدم الثقة في أي بائع أو شريك. بدلاً من ذلك، يتم التحقق من جميع المستخدمين والأجهزة والخدمات باستمرار قبل وأثناء وبعد منحها حق الوصول إلى البيانات والموارد الهامة. يقلل هذا النهج من احتمالية وقوع هجوم ناجح ناتج عن اختراق قادم من طرف ثالث.
- التدقيق والتقييم : يجب على المؤسسات إجراء عمليات تدقيق أمنية منتظمة لشركائها في سلسلة التوريد. ويشمل ذلك -ولا يقتصر على- مراجعة سياسات الأمن السيبراني الخاصة بهم، وإجراء اختبارات الاختراق، وضمان الامتثال للمعاييرالمثلى. يجب استبدال الموردين الذين يفشلون في تلبية متطلبات الأمن السيبراني.
- الاستثمار في تدريب الأمن السيبراني: من المطلوب أن تستثمر الشركات في تدريب الأمن السيبراني ليس فقط لموظفيها ولكن أيضاً لمورديها. يمكن أن يشمل ذلك تمارين محاكاة التصيد الاحتيالي و تدريبات الاستجابة للحوادث لإعداد الموظفين للتهديدات المحتملة.
كلمة أخيرة
أصبحت مخاطر سلسلة التوريد في العالم العربي الأوسط أكثر وضوحاً في عام 2024 وهو ما كان جلياً في الأحداث التي تابعها العالم أجمع في الأسبوع الماضي. مع التوترات الجيوسياسية المحيطة بنا ومع توسع الشركات في عملياتها واعتمادها بشكل متزايد على البائعين من جهات خارجية، فإن الحاجة إلى نهج شامل للأمن السيبراني أمر بالغ الأهمية. من المهم للمؤسسات التركيز على بناء سلاسل توريد مرنة وآمنة لضمان الاستدامة والنجاح على المدى الاستراتيجي.