تحزننا أخبار وفاة أحباءنا و كذلك الشخصيات العامة و المؤثرة في وعينا. كل وفاة هي بالتأكيد خسارة على المستوى الإنساني. و لكن بوجود الانترنت و اليوتيوب و الإذاعات و الهولوغرام و وسائط التخزين الرقمية ، فإن موت شخصية عامة هو شبه موت و ليس موتاً كاملاً. مع أن وفاة فنان أو إعلامي أو شخصية عامة تبقى مصاباً جللاً نحترم وقعه على عائلته و أقربائه و محبيه الذين عرفوه شخصيا. و لكن بالنسبة للباقين ،و نحن منهم، فإننا نتعامل مع صوته، او صورته خلف الشاشة . تلك النسخ (منه) لم تتأثر بموته. أي أن الموت التقليدي لا يعني بالضرورة الموت الرقمي.
As A Service
منذ تم اختراع أول اسطوانة تسجيل، أصبحنا مستخدمين للغناء كخدمة. في هذه الحالة، لا يتعلق نجاح وصولك للأغنية بشخص المغني. لم يعد الأمر محصوراً بذهابك للمسرح لرؤية الفنان. يكفي توافر نسخة من الأغنية بحالة جيدة عند الرغبة بالاستماع لها أو مشاهدتها، لتكون قد حققت هدفك. إننا نتعامل مع نموذج يمكن أن نطلق عليه song as a service . لذلك فإنه عندما انتقل المطرب لرحمة الله فإن هذه الـ service بقيت مستمرة. و ينطبق الأمر ذاته على الصحفيين و المؤثرين بمختلف تقسيماتهم. اختبرنا مؤخراً على سبيل المثال أنه لن يختفي صوت صحفية مؤثرة أو صوتها بمجرد موتها مهما كانت طريقة هذا الموت قاسية و مؤلمة.
الموت الرقمي و الانترنت
إذا قمت بالوصول إلى الانترنت ، أو النشر على وسائل التواصل الاجتماعي ، أو التحدث إلى الأصدقاء والعائلة عبر الانترنت ، أو حتى تخزين الملفات على جهاز الكمبيوتر أو الهاتف ، فستستمر بياناتك لفترة طويلة بعد رحيلك. تُعرف هذه البيانات باسم “الحياة الرقمية الآخرة” ، ولا تزال شركات التكنولوجيا لا تعرف بالضبط ماذا تفعل بها. و من هنا يأتي تعريف الموت الرقمي بأنه عملية التخطيط واتخاذ الإجراءات للتحكم في ما يحدث لمعلوماتك الرقمية و كذلك من سيتلقى المعلومات والمستندات والصور وكلمات مرور الحساب عند الوفاة.
بين الحياة والموت الرقمي
إن حساباتنا الرقمية لم تنشىء من العدم. و هي كذلك لن تفنى. هي ستتحول فقط من حالة إلى حالة. إما ستكون حسابات معطلة، لا تظهر للعلن و لكنها موجودة ضمن وسائط تخزين الشركات الرقمية. أو أنها قد تكون حسابات قراءة-فقط، أي هي حسابات لعرض اللحظات الجميلة فقط دون القدرة على التعديل عليها.
أما “الإرث الرقمي” فهو المعلومات الرقمية المتوفرة عن شخص ما بعد وفاته. غالباً ما يتشكل الإرث الرقمي لشخص ما من خلال التفاعلات التي قام بها الشخص والمعلومات التي أنشأها قبل وفاته باستخدام حساباته الرقمية.
لا توفر معظم الشركات إمكانية الوصول إلى حساب الشخص عبر الانترنت بعد وفاته. في بعض البلدان كان على الآباء والأزواج والأشقاء اللجوء إلى المحكمة للوصول إلى حسابات عبر الانترنت لأحبائهم المتوفين.
ماذا سيحدث لمعلوماتك الرقمية؟
تواجه شركات الخدمات الرقمية مشكلة تزايد حسابات الأشخاص التي عاشت أكثر من أصحابها. يشكل ذلك ضغطاً تقنياً و قانونياً على الشركات.
على سبيل المثال، يخيرنا فيسبوك بين تعيين شخص من أصدقائنا لإدارة حساباتنا بعد الموت و بين تحويل الحساب لحساب ذكريات فقط لا يمكن التعديل على محتواه. بينما يقدم Linkedin طريقة تمكن شخص آخر من تقديم شهادة وفاة و بعض المعلومات التي ستؤدي لإغلاق الحساب.
تتحمل الشركات مسؤولية أخلاقية تتمثل في حماية حسابات الراحلين من العبث و المس بخصوصيتهم احتراماً لمشاعر أحبائهم. لذلك تصمم كل شركة خطة لإدارة هذه الحسابات بعد الرحيل. هل يتم إسناد هذه الإدارة لشخص من عائلة الراحل، أم أن الحساب يُغلق ببساطة و بالتالي يصبح الموت الرقمي إنعكاساً للموت الحقيقي. قد يتغير ذلك جذرياً في الميتافيرس، لربما لا داعي وقتها لهذا الجهد. الفكرة أنه سيمكننا زيارة Avatar أحبائنا في مساكنهم الرقمية أو أن نستدعيهم لزيارتنا في منازلنا عبر الواقع المعزز.
ليس الهدف مما سبق أن نشعركم بالكآبة، فالحياة جميلة بعالميها الحقيقي و الرقمي. رغبنا فقط أن نطلعكم على جانب من حياتنا الرقمية لا يٌسلط عليه الضوء كثيراً.
يدعوكم روبودين لتعيشوا لحظات حياتكم بكل قوة و سعادة، فالأمر يستحق ذلك.